للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُخْرِجُكُمْ بِثُمَّ لَا بِالْوَاوِ. وَقَوْلُهُ وَنَحْوُهُ لَيْسَ نَحْوَهُ لِأَنَّ هَذَا مُعَرَّفٌ بِلَامِ الجنس وطفلا نَكِرَةٌ، وَلَا يَتَعَيَّنُ حَمْلُ طِفْلًا هُنَا عَلَى الْجَمْعِ الَّذِي لَا يَقِيسُهُ سِيبَوَيْهِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى ثُمَّ يُخْرِجُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ كَمَا قِيلَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً «١» أَيْ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ. وَكَمَا تَقُولُ: بَنُو فُلَانٍ يُشْبِعُهُمْ رَغِيفٌ أَيْ يُشْبِعُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ رَغِيفٌ. وَقَوْلُهُ لَمْ يَظْهَرُوا إِمَّا مِنْ قَوْلِهِمْ ظَهَرَ عَلَى الشَّيْءِ إِذَا اطَّلَعَ عَلَيْهِ أَيْ لَا يَعْرِفُونَ مَا الْعَوْرَةُ وَلَا يُمَيِّزُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ غَيْرِهَا، وَإِمَّا مِنْ ظَهَرَ عَلَى فُلَانٍ إِذَا قَوِيَ عَلَيْهِ وَظَهَرَ عَلَى الْقِرْنِ أَخَذَهُ. وَمِنْهُ فَأَصْبَحُوا ظاهِرِينَ «٢» أَيْ غَالِبِينَ قَادِرِينَ عَلَيْهِ، فَالْمَعْنَى لَمْ يَبْلُغُوا أَوَانَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْوَطْءِ.

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ عَوْراتِ بِسُكُونِ الْوَاوِ وَهِيَ لُغَةُ أَكْثَرِ الْعَرَبِ لَا يُحَرِّكُونَ الْوَاوِ وَالْيَاءِ فِي نَحْوِ هَذَا الْجَمْعِ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ تَحْرِيكُ وَاوِ عَوْراتِ بِالْفَتْحِ. وَالْمَشْهُورُ فِي كُتُبِ النَّحْوِ أَنَّ تَحْرِيكَ الْوَاوِ وَالْيَاءِ فِي مِثْلِ هَذَا الْجَمْعِ هُوَ لُغَةُ هُذَيْلِ بْنِ مُدْرِكَةَ. وَنَقَلَ ابْنُ خَالَوَيْهِ فِي كِتَابِ شَوَاذِّ الْقِرَاءَاتِ أَنَّ ابْنَ أَبِي إِسْحَاقَ وَالْأَعْمَشَ قَرَأَ عَوْراتِ بِالْفَتْحِ.

قَالَ: وَسَمِعْنَا ابْنَ مُجَاهِدٍ يَقُولُ: هُوَ لَحْنٌ وَإِنَّمَا جَعَلَهُ لَحْنًا وَخَطَأً مِنْ قِبَلِ الرِّوَايَةِ وَإِلَّا فَلَهُ مَذْهَبٌ فِي الْعَرَبِيَّةِ بَنُو تَمِيمٍ يَقُولُونَ: رَوَضَاتٌ وَجُوَرَاتٌ وَعَوَرَاتٌ، وَسَائِرُ الْعَرَبِ بِالْإِسْكَانِ.

وَقَالَ الْفَرَّاءُ: الْعَرَبُ عَلَى تَخْفِيفِ ذَلِكَ إِلَّا هُذَيْلًا فَتُثْقِلُ مَا كَانَ مِنْ هَذَا النَّوْعِ مِنْ ذَوَاتِ الْيَاءِ وَالْوَاوِ. وَأَنْشَدَنِي بَعْضُهُمْ:

أَبُو بَيَضَاتٍ رَائِحٌ مُتَأَوِّبٌ ... رَفِيقٌ بِمَسْحِ الْمَنْكِبَيْنِ سَبُوحُ

وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ كَانَتِ الْمَرْأَةُ تَضْرِبُ الْأَرْضَ بِرِجْلِهَا لِيَتَقَعْقَعَ خَلْخَالُهَا فَيُعْلَمَ أَنَّهَا ذَاتُ خَلْخَالٍ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ قَرْعُ الْخَلْخَالِ بِالْإِجْرَاءِ وَتَحْرِيكُ الْخَلَاخِلِ عِنْدَ الرِّجَالِ. وَزَعَمَ حَضْرَمِيٌّ أَنَّ امْرَأَةً اتَّخَذَتْ خَلْخَالًا مِنْ فِضَّةٍ وَاتَّخَذَتْ جَزْعًا فَجَعَلَتْهُ فِي سَاقِهَا، فَمَرَّتْ عَلَى الْقَوْمِ فَضَرَبَتْ بِرِجْلِهَا الْأَرْضَ فَوَقَعَ الْخَلْخَالُ عَلَى الْجَزْعِ فَصَوَّتَ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: وَسَمَاعُ صَوْتِ ذِي الزِّينَةِ أَشَدُّ تَحْرِيكًا لِلشَّهْوَةِ مِنْ إِبْدَائِهَا انْتَهَى. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَزْمٍ مَا مَعْنَاهُ أَنَّهُ تَعَالَى نَهَاهُنَّ عَنْ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا مَرَّتْ عَلَى الرِّجَالِ قَدْ لَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهَا وَلَا يُشْعَرُ بِهَا: وَهِيَ تَكْرَهُ أَنْ لَا يُنْظَرَ إِلَيْهَا، فَإِذَا فَعَلْنَ ذَلِكَ نَبَّهْنَ عَلَى أَنْفُسِهِنَّ وَذَلِكَ بِحُبِّهِنَّ فِي تَعَلُّقِ الرِّجَالِ بِهِنَّ، وَهَذَا من خفايا


(١) سورة يوسف: ١٢/ ٣١.
(٢) سورة الصف: ٦١/ ١٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>