للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِمَا فِيهِ مِنْ ذِكْرِ ما يَؤُولُ إِلَيْهِ أَمْرُهُمْ مِنَ الْعِقَابِ الدَّائِمِ وَالْعَذَابِ السَّرْمَدِيِّ. ثُمَّ أَتْبَعَهُ بِهَذَا التَّمْثِيلِ الَّذِي نَبَّهَهُمْ عَلَى مَا هِيَ أَعْمَالُهُمْ عَلَيْهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ إِلَى الْإِيمَانِ وَيُفَكِّرُونَ فِي نُورِ اللَّهِ الَّذِي جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ تَشْبِيهٌ لِأَعْمَالِهِمْ وَضَلَالِهِمْ بِالظُّلُمَاتِ الْمُتَكَاثِفَةِ.

وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ: التَّقْدِيرُ أَوْ كَذِي ظُلُمَاتٍ، قَالَ: وَدَلَّ عَلَى هَذَا الْمُضَافِ قَوْلُهُ إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ فَالْكِنَايَةُ تَعُودُ إِلَى الْمُضَافِ الْمَحْذُوفِ، فَالتَّشْبِيهُ وَقَعَ عِنْدَ أَبِي عَلِيٍّ لِلْكَافِرِ لَا لِلْأَعْمَالِ وَهُوَ خِلَافُ الظَّاهِرِ، وَيُتَخَيَّلُ فِي تَقْرِيرِ كَلَامِهِ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ أَوْ هُمْ كَذِي ظُلُمَاتٍ فَيَكُونُ التَّشْبِيهُ الْأَوَّلُ لِأَعْمَالِهِمْ. وَالثَّانِي لَهُمْ فِي حَالِ ضَلَالِهِمْ. وَقَالَ أَبُو الْبَقَاءِ:

فِي التَّقْدِيرِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا: أَوْ كَأَعْمَالِ ذِي ظُلُمَاتٍ، فَيُقَدَّرُ ذِي ظُلُمَاتٍ لِيَعُودَ الضَّمِيرُ مِنْ قَوْلِهِ إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ إِلَيْهِ، وَيُقَدَّرُ أَعْمَالٌ لِيَصِحَّ تَشْبِيهُ أَعْمَالِ الْكُفَّارِ بِأَعْمَالِ صَاحِبِ الظُّلْمَةِ إِذْ لَا مَعْنَى لِتَشْبِيهِ الْعَمَلِ بِصَاحِبِ الظُّلُمَاتِ. وَالثَّانِي: لَا حَذْفَ فِيهِ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ شَبَّهَ أَعْمَالَ الْكُفَّارِ بِالظُّلْمَةِ فِي حَيْلُولَتِهَا بَيْنَ الْقَلْبِ وَبَيْنَ مَا يَهْتَدِي إِلَيْهِ، فَأَمَّا الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ فَيَعُودُ إِلَى مَذْكُورٍ حُذِفَ اعْتِمَادًا عَلَى الْمَعْنَى تَقْدِيرُهُ إِذَا أَخْرَجَ مَنْ فِيهَا يَدَهُ.

وَقَالَ الْجُرْجَانِيُّ: الْآيَةُ الْأُولَى فِي ذِكْرِ أَعْمَالِ الْكُفَّارِ. وَالثَّانِيَةُ فِي ذِكْرِ كُفْرِهِمْ وَنَسَّقَ الْكُفْرَ عَلَى أَعْمَالِهِمْ لِأَنَّ الْكُفْرَ أَيْضًا مِنْ أَعْمَالِهِمْ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ. مِنَ الْكُفْرِ إِلَى الْإِيمَانِ، فَيَكُونُ التَّمْثِيلُ قَدْ وَقَعَ لِأَعْمَالِهِمْ بكفر الكافر وأَعْمالُهُمْ مِنْهَا كُفْرُهُمْ، فَيَكُونُ قَدْ شَبَّهَ أَعْمالُهُمْ بِالظُّلُمَاتِ، وَالْعَطْفُ بِأَوْ هُنَا لِأَنَّهُ قَصَدَ التَّنْوِيعَ وَالتَّفْصِيلَ لَا أَنَّ أَوْ لِلشَّكِّ. وَقَالَ الْكَرْمَانِيُّ: أَوْ لِلتَّخْيِيرِ عَلَى تَقْدِيرِ شَبِّهْ أَعْمَالَ الْكُفَّارِ بِأَيِّهِمَا شِئْتَ.

وَقَرَأَ سُفْيَانَ بْنُ حُسَيْنٍ أَوْ كَظُلُماتٍ بِفَتْحِ الْوَاوِ جَعَلَهَا وَاوَ عَطْفٍ تَقَدَّمَتْ عَلَيْهَا الْهَمْزَةُ الَّتِي لِتَقْرِيرِ التَّشْبِيهِ الْخَالِي عَنْ مَحْضِ الِاسْتِفْهَامِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي يَغْشاهُ عَائِدٌ عَلَى بَحْرٍ لُجِّيٍّ أَيْ يَغْشَى ذَلِكَ الْبَحْرَ أَيْ يُغَطِّي بَعْضُهُ بَعْضًا، بِمَعْنَى أَنْ تَجِيءَ مَوْجَةٌ تَتْبَعُهَا أُخْرَى فَهُوَ مُتَلَاطِمٌ لَا يَسْكُنُ، وَأَخْوَفُ مَا يَكُونُ إِذَا تَوَالَتْ أَمْوَاجُهُ، وَفَوْقَ هَذَا الْمَوْجِ سَحابٌ وَهُوَ أَعْظَمُ لِلْخَوْفِ لِإِخْفَائِهِ النُّجُومَ الَّتِي يُهْتَدَى بِهَا، وَلِلرِّيحِ وَالْمَطَرِ النَّاشِئَيْنِ مَعَ السَّحَابِ. وَمَنْ قَدَّرَ أَوْ كَذِي ظُلُمَاتٍ أَعَادَ الضَّمِيرَ فِي يَغْشاهُ عَلَى ذِي الْمَحْذُوفِ، أَيْ يَغْشَى صَاحِبَ الظُّلُمَاتِ.

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ سَحابٌ بِالتَّنْوِينِ ظُلُماتٌ بِالرَّفْعِ عَلَى تَقْدِيرِ خَبَرٍ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ هَذِهِ أَوْ تِلْكَ ظُلُماتٌ وَأَجَازَ الْحَوْفِيُّ أَنْ تَكُونَ مبتدأ وبَعْضُها فَوْقَ

<<  <  ج: ص:  >  >>