للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْقَمَرِ أُخْرَى، أَوْ بِاخْتِلَافِ مَا يُقَدَّرُ فِيهِمَا مِنَ الْخَيْرِ وَالنَّفْعِ وَالشِّدَّةِ وَالنِّعْمَةِ وَالْأَمْنِ وَمُقَابِلَاتِهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ أَقْوَالٌ أَرْبَعَةٌ إِنَّ فِي ذَلِكَ إِشَارَةٌ إِلَى مَا تَقَدَّمَ مِنَ الدَّلَائِلِ الدَّالَّةِ عَلَى وَحْدَانِيَّتِهِ مِنْ تَسْبِيحٍ مِنْ ذِكْرٍ وَتَسْخِيرِ السَّحَابِ، وَمَا يُحْدِثُهُ تَعَالَى فِيهِ مِنْ أَفْعَالِهِ حَتَّى يُنْزِلَ الْمَطَرَ فَيُقَسِّمَ رَحْمَتَهُ بَيْنَ خَلْقِهِ وَإِرَاءَتِهِمُ الْبَرْقَ فِي السَّحَابِ الَّذِي يَكَادُ يَخْطَفُ الْأَبْصَارَ وَيُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ.

لَعِبْرَةً أَيِ اتِّعَاظًا. وَخُصَّ أُولُو الْأَبْصَارِ بِالِاتِّعَاظِ لِأَنَّ الْبَصَرَ وَالْبَصِيرَةَ إِذَا اسْتُعْمِلَا وَصَلَا إِلَى إِدْرَاكِ الْحَقِّ كقوله إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ «١» .

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ خَلَقَ فِعْلًا مَاضِيًا. كُلَّ نَصْبٌ. وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَابْنُ وَثَّابٍ وَالْأَعْمَشُ خَالِقُ اسْمُ فَاعِلٍ مُضَافٌ إِلَى كُلَّ. وَالدَّابَّةُ: مَا يُحَرِّكُ أَمَامَهُ قَدَمًا وَيَدْخُلُ فِيهِ الطَّيْرُ. قَالَ الشَّاعِرُ:

دَبِيبَ قَطَا الْبَطْحَاءِ فِي كُلِّ مَنْهَلِ وَالْحُوتُ

وَفِي الْحَدِيثِ: «دَابَّةٌ مِنَ الْبَحْرِ مِثْلُ الظَّرِبِ» .

وَانْدَرَجَ فِي كُلَّ دَابَّةٍ الْمُمَيِّزُ وَغَيْرُهُ، فَسَهُلَ التَّفْصِيلُ بِمَنِ الَّتِي لِمَنْ يَعْقِلُ وَمَا لَا يَعْقِلُ إِذَا كَانَ مُنْدَرِجًا فِي الْعَامِّ، فَحَكَمَ لَهُ بِحُكْمِهِ كَأَنَّ الدَّوَابَّ كُلَّهُمْ مُمَيِّزُونَ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ مِنْ ماءٍ مُتَعَلِّقٌ بخلق.

ومِنْ لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ، أَيِ ابتداء خَلْقَهَا مِنَ الْمَاءِ. فَقِيلَ: لَمَّا كَانَ غَالِبُ الْحَيَوَانِ مَخْلُوقًا مِنَ الْمَاءِ لِتَوَلُّدِهِ مِنَ النُّطْفَةِ أَوْ لِكَوْنِهِ لَا يَعِيشُ إِلَّا بِالْمَاءِ أَطْلَقَ لَفْظَ كُلَّ تَنْزِيلًا لِلْغَالِبِ مَنْزِلَةَ الْعَامِّ، وَيَخْرُجُ عَمَّا خُلِقَ مِنْ مَاءٍ مَا خُلِقَ مِنْ نُورٍ وَهُمُ الْمَلَائِكَةُ، وَمِنْ نَارٍ وَهُمُ الْجِنُّ، وَمِنْ تُرَابٍ وَهُوَ آدَمُ. وَخُلِقَ عِيسَى مِنَ الرُّوحِ وَكَثِيرُ مِنَ الْحَيَوَانِ لَا يَتَوَلَّدُ مِنْ نُطْفَةٍ. وَقِيلَ كُلَّ دَابَّةٍ عَلَى الْعُمُومِ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا وَإِنَّ أَصْلَ جَمِيعِ الْمَخْلُوقَاتِ الْمَاءُ، فَرُوِيَ أَنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ جَوْهَرَةٌ فَنَظَرَ إِلَيْهَا بِعَيْنِ الْهَيْبَةِ فَصَارَتْ مَاءً، ثُمَّ خَلَقَ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ النَّارَ وَالْهَوَاءَ وَالنُّورَ، وَلَمَّا كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ بَيَانَ أَصْلِ الْخِلْقَةِ وَكَانَ الْأَصْلُ الْأَوَّلُ هُوَ الْمَاءَ قَالَ: خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ. وَقَالَ الْقَفَّالُ: لَيْسَ مِنْ ماءٍ مُتَعَلِّقًا بِخَلَقَ وَإِنَّمَا هُوَ فِي مَوْضِعِ الصِّفَةِ لِكُلِّ دَابَّةٍ، فَالْمَعْنَى الْإِخْبَارُ أَنَّهُ تَعَالَى خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مُتَوَلِّدَةٍ مِنَ الْمَاءِ أَيْ مُتَوَلِّدَةٍ مِنَ الْمَاءِ مَخْلُوقَةٍ لِلَّهِ تَعَالَى. وَنُكِّرَ الْمَاءُ هُنَا وَعُرِّفَ فِي وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ «٢» لِأَنَّ الْمَعْنَى هُنَا خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ نَوْعٍ مِنَ الْمَاءِ مُخْتَصٍّ بِهَذِهِ الدَّابَّةِ، أَوْ


(١) سورة الرعد: ١٣/ ١٩.
(٢) سورة الأنبياء: ٢١/ ٣٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>