نَزَلَتْ إِلَى قَوْلِهِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ فِي الْمُنَافِقِينَ بِسَبَبِ مُنَافِقٍ اسْمُهُ بِشْرٌ، دَعَاهُ يَهُودِيٌّ فِي خُصُومَةٍ بَيْنَهُمَا إِلَى الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَدَعَا هُوَ إِلَى كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ فَنَزَلَتْ.
وَلَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى دَلَائِلَ التَّوْحِيدِ أَتْبَعَ ذَلِكَ بِذَمِّ قَوْمٍ آمَنُوا بِأَلْسِنَتِهِمْ دُونَ عَقَائِدِهِمْ. ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ عَنِ الْإِيمَانِ. بَعْدِ ذلِكَ أَيْ بَعْدِ قَوْلِهِمْ آمَنَّا وَما أُولئِكَ إِشَارَةٌ إِلَى الْقَائِلِينَ فَيَنْتَفِي عَنْ جَمِيعِهِمُ الْإِيمَانُ، أَوْ إِلَى الْفَرِيقِ الْمُتَوَلِّي فَيَكُونُ مَا سَبَقَ لَهُمْ مِنَ الْإِيمَانِ لَيْسَ إِيمَانًا إِنَّمَا كَانَ ادِّعَاءً بِاللِّسَانِ مِنْ غَيْرِ مُوَاطَأَةٍ بِالْقَلْبِ. وَأَفْرَدَ الضَّمِيرَ فِي لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِأَنَّ حُكْمَ الرَّسُولِ هُوَ عَنِ اللَّهِ. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: كَقَوْلِكَ أَعْجَبَنِي زَيْدٌ وَكَرَمُهُ يُرِيدُ كَرَمَ زَيْدٍ وَمِنْهُ:
وَمَنْهَلٍ من الفلافي أَوْسَطِهْ ... غَلَّسْتُهُ قَبْلَ الْقَطَا وَفَرَطِهْ
أَرَادَ قَبْلَ فَرْطِ الْقَطَا انْتَهَى. أَيْ قَبْلَ تَقَدُّمِ الْقَطَا إِلَيْهِ. وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ لِيَحْكُمَ فِي الموضعين مبنيا للمفعول وإِذا الثَّانِيَةُ لِلْفُجَاءَةِ. جَوَابُ إِذا الْأُولَى الشَّرْطِيَّةِ، وَهَذَا أَحَدُ الدَّلَائِلِ عَلَى أَنَّ الْجَوَابَ لَا يَعْمَلُ فِي إِذَا الشَّرْطِيَّةِ خِلَافًا لِلْأَكْثَرِينَ مِنَ النُّحَاةِ، لِأَنَّ إِذَا الْفُجَائِيَّةِ لَا يَعْمَلُ مَا بَعْدَهَا فِيمَا قَبْلَهَا. وَقَدْ أُحْكِمَ ذَلِكَ فِي عِلْمِ النَّحْوِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ إِلَيْهِ مُتَعَلِّقٌ بِيَأْتُوا. وَالضَّمِيرُ فِي إِلَيْهِ عَائِدٌ عَلَى الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَأَجَازَ الزَّمَخْشَرِيُّ أَنْ يَتَعَلَّقَ إِلَيْهِ بِمُذْعِنِينَ قَالَ: لِأَنَّهُ بِمَعْنَى مُسْرِعِينَ فِي الطَّاعَةِ وَهَذَا أَحْسَنُ لِتَقَدُّمِ صِلَتِهِ وَدَلَالَتِهِ عَلَى الِاخْتِصَاصَ. وَقَدْ رَدَدْنَا عَلَيْهِ ذَلِكَ وفي ما رَجَّحَ تَهْيِئَةَ الْعَامِلِ لِلْعَمَلِ وَقَطْعَهُ عَنِ الْعَمَلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute