للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَيْ بَنِي إِسْرَائِيلَ حِينَ أَوْرَثَهُمْ مِصْرَ وَالشَّامَ بَعْدَ هَلَاكِ الْجَبَابِرَةِ. وَقِيلَ: هُوَ مَا كَانَ فِي زَمَانِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، وَكَانَ الْغَالِبَ عَلَى الْأَرْضِ الْمُؤْمِنُونَ. وَقُرِئَ كَمَا اسْتَخْلَفَ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ. وَاللَّامُ فِي لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ جَوَابُ قَسَمٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ وَأَقْسَمَ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ أَوْ أَجْرَى وَعْدَ اللَّهِ لِتَحَقُّقِهِ مُجْرَى الْقَسَمِ فَجُووِبَ بِمَا يُجَاوَبُ بِهِ الْقَسَمُ. وَعَلَى التَّقْدِيرِ حُذِفَ الْقَسَمُ بِكَوْنِ مَعْمُولِ وَعَدَ مَحْذُوفًا تَقْدِيرُهُ اسْتِخْلَافَكُمْ وَتَمْكِينَ دِينِكُمْ. وَدَلَّ عَلَيْهِ جَوَابُ الْقَسَمِ الْمَحْذُوفِ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ:

هَذِهِ الْآيَةُ تَتَضَمَّنُ خِلَافَةَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ لِأَنَّهُمْ أَهْلُ الْإِيمَانِ وَعَمَلِ الصالحات.

وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْخِلَافَةُ بَعْدِي ثَلَاثُونَ»

انْتَهَى. ونيدرج مَنْ جَرَى مَجْرَاهُمْ فِي الْعَدْلِ مَنِ اسْتُخْلِفَ مِنْ قُرَيْشٍ كَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ مِنَ الْأُمَوِيِّينَ، وَالْمُهْتَدِينَ بِاللَّهِ فِي الْعَبَّاسِيِّينَ.

وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ أَيْ يُثَبِّتُهُ وَيُوَطِّدُهُ بِإِظْهَارِهِ وَإِعْزَازِ أَهْلِهِ وإذلال الشرك وأهله.

والَّذِي ارْتَضى لَهُمْ صِفَةُ مَدْحٍ جَلِيلَةٌ وَقَدْ بَلَغَتْ هَذِهِ الْأُمَّةُ فِي تَمْكِينِ هَذَا الدِّينِ الْغَايَةَ الْقُصْوَى مِمَّا أَظْهَرَ اللَّهُ عَلَى أَيْدِيهِمْ مِنَ الْفُتُوحِ وَالْعُلُومِ الَّتِي فَاقُوا فِيهَا جَمِيعَ الْعَالَمِ مِنْ لَدُنْ آدَمَ إِلَى زَمَانِ هَذِهِ الْمِلَّةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ بِالتَّشْدِيدِ وَابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو بَكْرٍ وَالْحَسَنُ وَابْنُ مُحَيْصِنٍ بِالتَّخْفِيفِ. وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: لَمَّا أَظْهَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ رسوله صلى الله عليه وَسَلَّمَ عَلَى جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَضَعُوا السِّلَاحَ وَآمَنُوا، ثُمَّ قَبَضَ اللَّهِ نَبِيَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَكَانُوا آمِنِينَ كَذَلِكَ فِي إِمَارَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ حَتَّى وَقَعُوا فِيمَا وَقَعُوا فِيهِ وَكَفَرُوا بِالنِّعْمَةِ، فَأَدْخَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْخَوْفَ فَغَيَّرُوا فَغَيَّرَ اللَّهُ مَا بِهِمْ.

يَعْبُدُونَنِي الظَّاهِرُ أَنَّهُ مُسْتَأْنَفٌ فَلَا مَوْضِعَ لَهُ مِنَ الْإِعْرَابِ كَأَنَّهُ قِيلَ: مَا لَهُمْ يُسْتَخْلَفُونَ وَيُؤَمَّنُونَ فَقَالَ يَعْبُدُونَنِي قَالَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ. وَقَالَ ابْنُ عطية: يَعْبُدُونَنِي فِعْلٌ مُسْتَأْنَفٌ أَيْ هُمْ يَعْبُدُونَنِي وَيَعْنِي بِالِاسْتِئْنَافِ الْجُمْلَةَ لَا نَفْسَ الْفِعْلِ وَحْدَهُ وَقَالَهُ الْحَوْفِيُّ قَالَ: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَأْنَفًا عَلَى طَرِيقِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِمْ أَيْ هُمْ يَعْبُدُونَنِي. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَإِنْ جَعَلْتَهُ حَالًا عَنْ وَعْدِهِمْ أَيْ وَعَدَهُمُ اللَّهُ ذَلِكَ فِي حَالِ عِبَادَتِهِمْ وَإِخْلَاصِهِمْ فَمَحَلُّهُ النَّصْبُ انْتَهَى. وَقَالَ الْحَوْفِيُّ قَبْلَهُ. وَقَالَ أَبُو الْبَقَاءِ: يَعْبُدُونَنِي حال من لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ ولَيُبَدِّلَنَّهُمْ لَا يُشْرِكُونَ بَدَلٌ مِنْ يَعْبُدُونَنِي أَوْ حَالٌ مِنَ الْفَاعِلِ فِي يَعْبُدُونَنِي مُوَحِّدِينَ انْتَهَى. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَتَى أُطْلِقَ الْكُفْرُ كَانَ مُقَابِلَ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ حُذَيْفَةَ قَالَ: كَانَ النِّفَاقُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ ذَهَبَ وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا كُفْرٌ بَعْدَ

<<  <  ج: ص:  >  >>