للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصَّدِيقُ أَوْكَدُ مِنَ الْقَرَابَةِ أَلَا تَرَى اسْتِغَاثَةَ الْجَهَنَّمِيِّينَ فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ «١» وَلَمْ يَسْتَغِيثُوا بِالْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ وَمَعْنَى أَوْ صَدِيقِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَصْدِقَائِكُمْ، وَالصَّدِيقُ يَكُونُ لِلْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ كَالْخَلِيطِ وَالْقَطِينِ، وَقَدْ أَكَلَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ الْحَسَنِ مِنْ بَيْتِهِ وَهُوَ غَائِبٌ فَجَاءَ فَسُرَّ بِذَلِكَ وَقَالَ: هَكَذَا وَجَدْنَاهُمْ يَعْنِي كُبَرَاءَ الصَّحَابَةِ، وَكَانَ الرَّجُلُ يَدْخُلُ بَيْتَ صَدِيقِهِ فَيَأْخُذُ مِنْ كِيسِهِ فَيُعْتِقُ جَارِيَتَهُ الَّتِي مَكَّنَتْهُ مِنْ ذَلِكَ.

وَعَنْ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ: مِنْ عِظَمِ حُرْمَةِ الصَّدِيقِ أَنْ جَعَلَهُ اللَّهُ مِنَ الْأُنْسِ وَالثِّقَةِ وَالِانْبِسَاطِ وَتَرْكِ الْحِشْمَةِ بِمَنْزِلَةِ النَّفْسِ وَالْأَبِ وَالِابْنِ وَالْأَخِ.

وَقَالَ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ: نِلْتُ مَا نِلْتُ حَتَّى الْخِلَافَةَ وَأَعْوَزَنِي صَدِيقٌ لَا أَحْتَشِمُ مِنْهُ. وَقَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ: إِذَا دَلَّ ظَاهِرُ الْحَالِ عَلَى رِضَا الْمَالِكِ قَامَ ذَلِكَ مَقَامَ الْإِذْنِ الصَّرِيحِ.

وَانْتَصَبَ جَمِيعاً أَوْ أَشْتاتاً عَلَى الْحَالِ أَيْ مُجْتَمِعِينَ أَوْ مُتَفَرِّقِينَ. قَالَ الضَّحَّاكُ وَقَتَادَةُ: نَزَلَتْ فِي حَيٍّ مِنْ كِنَانَةَ تَحَرَّجُوا أَنْ يَأْكُلَ الرَّجُلُ وَحْدَهُ فَرُبَّمَا قَعَدُوا لِطَعَامٍ بَيْنَ يَدَيْهِ لَا يَجِدُ مَنْ يُؤَاكِلُهُ حَتَّى يُمْسِيَ فَيُضْطَرُّ إِلَى الْأَكْلِ وَحْدَهُ. وَقَالَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ:

إِذَا مَا صَنَعْتِ الزَّادَ فَالْتَمِسِي لَهُ ... أَكِيلًا فَإِنِّي لَسْتُ آكِلَهُ وَحْدِي

وَقَالَ عِكْرِمَةُ فِي قَوْمٍ مِنَ الْأَنْصَارِ: إِذَا نَزَلَ بِهِمْ ضَيْفٌ لَا يَأْكُلُونَ إِلَّا مَعَهُ. وَقِيلَ فِي قَوْمٍ:

تَحَرَّجُوا أَنْ يَأْكُلُوا جَمِيعًا مَخَافَةَ أَنْ يَزِيدَ أَحَدُهُمْ على الآخرة فِي الْأَكْلِ. وَقِيلَ أَوْ صَدِيقِكُمْ هُوَ إِذَا دَعَاكَ إِلَى وَلِيمَةٍ فَحَسْبُ.

وَقِيلَ: هَذِهِ الْآيَةَ مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ «أَلَا إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ»

وَبِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: «لَا يَحْلِبَنَّ أَحَدٌ مَاشِيَةَ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِهِ»

وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى لَا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا «٢» الْآيَةَ.

فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالنَّخَعِيُّ: الْمَسَاجِدُ فَسَلِّمُوا عَلَى مَنْ فِيهَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا أَحَدٌ قَالَ السَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ. وَقِيلَ: يَقُولُ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ يَعْنِي الْمَلَائِكَةَ، ثُمَّ يَقُولُ: السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ. وَقَالَ جَابِرٌ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٌ: الْبُيُوتُ الْمَسْكُونَةُ وَقَالُوا يَدْخُلُ فِيهَا غَيْرُ الْمَسْكُونَةِ، فَيَقُولُ: السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ. وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: بُيُوتًا خَالِيَةً. وَقَالَ السُّدِّيُّ عَلى أَنْفُسِكُمْ عَلَى أَهْلِ دِينِكُمْ. وَقَالَ قَتَادَةُ: عَلَى أَهَالِيكُمْ فِي بُيُوتِ أَنْفُسِكُمْ. وَقِيلَ: بُيُوتُ الْكُفَّارِ


(١) سورة الشعراء: ٢٦/ ١٠٠.
(٢) سورة النور: ٢٤/ ٢٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>