للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِمَا يَزِيدُهُ تَوْكِيدًا وَتَسْدِيدًا بِحَيْثُ أَعَادَهُ عَلَى أُسْلُوبٍ آخَرَ وَهُوَ قَوْلُهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَضَمَّنَهُ شَيْئًا آخَرَ وَهُوَ أَنَّهُ جَعَلَ الِاسْتِئْذَانَ كَالْمِصْدَاقِ لِصِحَّةِ الْإِيمَانَيْنِ، وَعَرَّضَ بِحَالِ الْمَاضِينَ وتسللهم لو إذا.

وَمَعْنَى قَوْلِهِ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ وَيَأْذَنَ لَهُمْ، أَلَا تَرَاهُ كَيْفَ عَلَّقَ الْأَمْرَ بَعْدَ وُجُودِ اسْتِئْذَانِهِمْ بِمَشِيئَتِهِ وَإِذْنِهِ لِمَنِ اسْتَصْوَبَ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ، وَالْأَمْرُ الْجَامِعُ الَّذِي يُجْمَعُ لَهُ النَّاسُ، فَوُصِفَ بِالْجَمْعِ عَلَى الْمَجَازِ وَذَلِكَ نَحْوُ مُقَابَلَةِ عَدُوٍّ وَتَشَاوُرٍ فِي أَمْرِهِمْ أَوْ تَضَامٍّ لِإِرْهَابِ مُخَالِفٍ، أَوْ مَا يَنْتِجُ فِي حِلْفٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَالْأَمْرُ الَّذِي يَعُمُّ بِضَرَرِهِ أَوْ بِنَفْعِهِ وَفِي قَوْلِهِ وَإِذا كانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ أَنَّهُ خَطْبٌ جَلِيلٌ لَا بُدَّ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ مِنْ ذَوِي رَأْيٍ وَقُوَّةٍ يُظَاهِرُونَهُ عَلَيْهِ وَيُعَاوِنُونَهُ وَيَسْتَضِيءُ بِآرَائِهِمْ وَمَعَارِفِهِمْ وَتَجَارِبِهِمْ فِي كَفَاءَتِهِ، فَمُفَارَقَةُ أَحَدِهِمْ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالَةِ مِمَّا يَشُقُّ عَلَى قَلْبِهِ وَيُشَعِّثُ عَلَيْهِ رَأْيَهُ. فَمِنْ ثَمَّ غَلَّظَ عَلَيْهِمْ وَضَيَّقَ الْأَمْرَ فِي الِاسْتِئْذَانِ مَعَ الْعُذْرِ الْمَبْسُوطِ وَمَسَاسِ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ وَاعْتِرَاضِ مَا يُهِمُّهُمْ ويعينهم، وَذَلِكَ قَوْلُهُ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ وَذِكْرُ الِاسْتِغْفَارِ لِلْمُسْتَأْذِنِينَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْأَحْسَنَ الْأَفْضَلَ أَنْ لَا يُحَدِّثُوا أَنْفُسَهُمْ بِالذَّهَابِ وَلَا يَسْتَأْذِنُوا فِيهِ.

وَقِيلَ: نَزَلَتْ فِي حَفْرِ الْخَنْدَقِ وَكَانَ قَوْمٌ يَتَسَلَّلُونَ بِغَيْرِ إِذْنٍ لِذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ النَّاسُ مَعَ أَئِمَّتِهِمْ وَمُقَدَّمِيهِمْ فِي الدِّينِ وَالْعِلْمِ يُظَاهِرُونَهُمْ وَلَا يَخْذُلُونَهُمْ فِي نَازِلَةٍ مِنَ النَّوَازِلِ، وَلَا يَتَفَرَّقُونَ عَنْهُمْ، وَالْأَمْرُ فِي الْإِذْنِ مُفَوَّضٌ إِلَى الْإِمَامِ إِنْ شَاءَ أَذِنَ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَأْذَنْ عَلَى حَسَبِ مَا اقْتَضَاهُ رَأْيُهُ انْتَهَى. وَهُوَ تَفْسِيرٌ حَسَنٌ وَيَجْرِي هَذَا الْمَجْرَى إِمَامُ الْإِمْرَةِ إِذَا كَانَ النَّاسُ مَعَهُ مُجْتَمِعِينَ لِمُرَاعَاةِ مَصْلَحَةٍ دِينِيَّةٍ فَلَا يَذْهَبُ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَنِ الْمَجْمَعِ إِلَّا بِإِذْنٍ مِنْهُ إِذْ قَدْ يَكُونُ لَهُ رَأْيٌ فِي حُضُورِ ذَلِكَ الذَّاهِبِ. وَقَالَ مَكْحُولٌ وَالزُّهْرِيُّ: الْجُمُعَةُ مِنَ الْأَمْرِ الْجَامِعِ، فَإِذَا عَرَضَ لِلْحَاضِرِ مَا يَمْنَعُهُ الْحُضُورَ مِنْ سَبْقِ رُعَافٍ فَلْيَسْتَأْذِنْ حَتَّى يَذْهَبَ عَنْهُ سُوءُ الظَّنِّ بِهِ. وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: كَانُوا يَسْتَأْذِنُونَ الْإِمَامَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَلَمَّا كَثُرَ ذَلِكَ قَالَ زِيَادٌ:

مَنْ جَعَلَ يَدَهُ عَلَى أَنْفِهِ فَلْيَخْرُجْ دُونَ إِذْنٍ وَقَدْ كَانَ هَذَا بِالْمَدِينَةِ حَتَّى إِنَّ سُهَيْلَ بْنَ أَبِي صَالِحٍ رَعَفَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَاسْتَأْذَنَ الْإِمَامَ. وَقَالَ ابْنُ سَلَامٍ: هُوَ كُلُّ صَلَاةٍ فِيهَا خُطْبَةٌ كَالْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَالِاسْتِسْقَاءِ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: فِي الْجِهَادِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الِاجْتِمَاعُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ.

قِيلَ: فِي قَوْلِهِ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ أُرِيدَ بِذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ. وَقَرَأَ الْيَمَانِيُّ عَلَى أَمْرٍ جَمِيعٍ.

لَا تَجْعَلُوا خِطَابٌ لِمُعَاصِرِي الرَّسُولِ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا كَانَ التَّدَاعِي بِالْأَسْمَاءِ عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>