للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَشَارُوا إِلَى قَوْمٍ عَبِيدٍ كَانُوا لِلْعَرَبِ مِنَ الْفُرْسِ أَبُو فُكَيْهَةَ مَوْلَى الْحَضْرَمِيِّينَ. وَجَبْرٌ وَيَسَارٌ وَعَدَّاسٌ وَغَيْرُهُمْ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: عَنَوْا أَبَا فُكَيْهَةَ الرُّومِيَّ. وَقَالَ الْمُبَرِّدُ: عَنَوْا بِقَوْمٍ آخَرِينَ الْمُؤْمِنِينَ لِأَنَّ آخَرَ لَا يَكُونُ إِلَّا مِنْ جِنْسِ الْأَوَّلِ انْتَهَى. وَمَا قَالَهُ لَا يَلْزَمُ لِلِاشْتِرَاكِ فِي جِنْسِ الْإِنْسَانِ، وَلَا يَلْزَمُ الِاشْتِرَاكُ فِي الْوَصْفِ. أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرى كافِرَةٌ «١» فَقَدِ اشْتَرَكَتَا فِي مُطْلَقِ الْفِئَةِ، وَاخْتَلَفَتَا فِي الْوَصْفِ.

وَالظَّاهِرُ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي فَقَدْ جاؤُ عَائِدٌ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا وَالْمَعْنَى أَنَّ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارَ وَرَدُوا ظُلْمًا كَمَا تَقُولُ: جِئْتُ الْمَكَانَ فَيَكُونُ جَاءَ مُتَعَدِّيًا بِنَفْسِهِ قَالَهُ الْكِسَائِيُّ، وَيَجُوزُ أَنْ يُحْذَفَ الْجَارُّ أَيْ بِظُلْمٍ وَزُورٍ وَيَصِلَ الْفِعْلُ بِنَفْسِهِ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: إِذَا جَاءَ يُسْتَعْمَلُ بِهَذَيْنَ الِاسْتِعْمَالَيْنِ وَظُلْمُهُمْ أَنْ جَعَلُوا الْعَرَبِيَّ يَتَلَقَّنُ مِنَ الْعَجَمِيِّ كَلَامًا عَرَبِيًّا أَعْجَزَ بِفَصَاحَتِهِ جَمِيعَ فُصَحَاءِ الْعَرَبِ، وَالزُّورُ أَنْ بَهَتُوهُ بِنِسْبَةِ مَا هُوَ بَرِيءٌ مِنْهُ إِلَيْهِ. وَقِيلَ: الضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى قَوْمٍ آخَرِينَ وَهُوَ مِنْ كَلَامِ الْكُفَّارِ، وَالضَّمِيرُ فِي وَقالُوا لِلْكُفَّارِ وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها أَيْ جَمَعَهَا مِنْ قَوْلِهِمْ كَتَبَ الشَّيْءَ أَيْ جَمَعَهُ أَوْ مِنَ الْكِتَابَةِ أَيْ كَتَبَهَا بِيَدِهِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ جُمْلَةِ كَذِبِهِمْ عَلَيْهِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ لَا يَكْتُبُ وَيَكُونُ كَاسْتَكَبَّ الْمَاءَ وَاصْطَبَّهُ أَيْ سَكَبَهُ وَصَبَّهُ. وَيَكُونُ لَفْظُ افْتَعَلَ مُشْعِرًا بِالتَّكَلُّفِ وَالِاعْتِمَالِ أَوْ بِمَعْنَى أَمَرَ أَنْ يُكْتَبَ كَقَوْلِهِمُ احْتَجَمَ وَافْتَصَدَ إِذَا أَمَرَ بِذَلِكَ. فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ أَيْ تُلْقَى عَلَيْهِ لِيَحْفَظَهَا لِأَنَّ صُورَةَ الْإِلْقَاءِ عَلَى الْمُتَحَفِّظِ كَصُورَةِ الْإِمْلَاءِ عَلَى الكاتب.

وأَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ هُوَ أَوْ هَذِهِ أَساطِيرُ واكْتَتَبَها خَبَرٌ ثَانٍ، وَيَجُوزُ أَنْ يكون أَساطِيرُ مبتدأ واكْتَتَبَها الْخَبَرَ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ اكْتَتَبَها مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ. وَقِرَاءَةُ طَلْحَةَ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ وَالْمَعْنَى اكْتَتَبَها كَاتِبٌ لَهُ لِأَنَّهُ كَانَ أُمِّيًّا لَا يَكْتُبُ بِيَدِهِ وَذَلِكَ مِنْ تَمَامِ إِعْجَازِهِ، ثُمَّ حُذِفَتِ اللَّامُ فَأَفْضَى الْفِعْلُ إِلَى الضَّمِيرِ فَصَارَ اكْتَتَبَها إِيَّاهُ كَاتِبٌ كَقَوْلِهِ وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ «٢» ثُمَّ بُنِيَ الْفِعْلُ لِلضَّمِيرِ الَّذِي هُوَ إِيَّاهُ فَانْقَلَبَ مَرْفُوعًا مُسْتَتِرًا بَعْدَ أَنْ كَانَ بَارِزًا مَنْصُوبًا وَبَقِيَ ضَمِيرُ الْأَسَاطِيرِ عَلَى حَالِهِ، فَصَارَ اكْتَتَبَها كَمَا تَرَى انْتَهَى. وَهُوَ مِنْ كَلَامِ الزَّمَخْشَرِيِّ وَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ عَلَى مَذْهَبِ جُمْهُورِ الْبَصْرِيِّينَ لِأَنَّ اكْتَتَبَها لَهُ كَاتِبٌ وُصِلَ فِيهِ اكْتَتَبَ لِمَفْعُولَيْنِ أَحَدُهُمَا مُسَرَّحٌ وَهُوَ ضَمِيرُ الْأَسَاطِيرِ، وَالْآخَرُ مُقَيَّدٌ وَهُوَ ضَمِيرُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ. ثُمَّ اتُّسِعَ فِي الْفِعْلِ فَحُذِفَ حَرْفُ الْجَرِّ فَصَارَ اكْتَتَبَها إِيَّاهُ


(١) سورة آل عمران: ٣/ ١٣.
(٢) سورة الأعراف: ٧/ ١٥٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>