للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَالْأَعْرَجُ وَابْنُ كَثِيرٍ وَحَفْصٌ يَحْشُرُهُمْ وفَيَقُولُ بِالْيَاءِ فِيهِمَا. وَقَرَأَ الْحَسَنُ وَطَلْحَةُ وَابْنُ عَامِرٍ بِالنُّونِ فِيهِمَا. وَقَرَأَ بَاقِي السَّبْعَةِ فِي نَحْشُرُهُمْ بِالنُّونِ وَفِي فَيَقُولُ بِالْيَاءِ. وَقَرَأَ الْأَعْرَجُ يَحْشُرُهُمْ بِكَسْرِ الشِّينِ. قَالَ صَاحِبُ اللَّوَامِحِ فِي كُلِّ الْقُرْآنِ وَهُوَ الْقِيَاسُ فِي الْأَفْعَالِ الْمُتَعَدِّيَةِ الثُّلَاثِيَّةِ لِأَنَّ يَفْعُلُ بِضَمِّ الْعَيْنِ قَدْ يَكُونُ مِنَ اللَّازِمِ الَّذِي هُوَ فَعُلَ بِضَمِّهَا فِي الْمَاضِي. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَهِيَ قَلِيلَةٌ فِي الِاسْتِعْمَالِ قَوِيَّةٌ فِي الْقِيَاسِ لِأَنَّ يفعل بكسر العين الْمُتَعَدِّي أَقْيَسُ مِنْ يَفْعُلُ بِضَمِّ الْعَيْنِ انْتَهَى. وَهَذَا لَيْسَ كَمَا ذكر ابل فَعُلَ الْمُتَعَدِّي الصَّحِيحُ جَمِيعُ حُرُوفِهِ إِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُبَالَغَةِ وَلَا حَلْقِيَّ عَيْنٍ وَلَا لَامٍ فَإِنَّهُ جَاءَ عَلَى يَفْعَلُ وَيَفْعُلُ كَثِيرًا، فَإِنْ شُهِرَ أَحَدُ الِاسْتِعْمَالَيْنِ اتُّبِعَ وَإِلَّا فَالْخِيَارُ حَتَّى إِنَّ بَعْضَ أَصْحَابِنَا خَيَّرَ فِيهِمَا سَمِعَا لِلْكَلِمَةِ أَوْ لَمْ يَسْمَعَا.

وَما يَعْبُدُونَ قَالَ الضَّحَّاكُ وَعِكْرِمَةُ: الْأَصْنَامُ الَّتِي لَا تَعْقِلُ يُقْدِرُهَا اللَّهُ عَلَى هَذِهِ الْمَقَالَةِ مِنَ الْجَوَابِ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: يُحْيِي اللَّهُ الْأَصْنَامَ يَوْمَئِذٍ لِتَكْذِيبِ عَابِدِيهَا. وَقَالَ الْجُمْهُورُ: مَنْ عُبِدَ مِمَّنْ يَعْقِلُ مِمَّنْ لَمْ يَأْمُرْ بِعِبَادَتِهِ كَالْمَلَائِكَةِ وَعِيسَى وَعُزَيْرٍ وَهُوَ الْأَظْهَرُ كَقَوْلِهِ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ وَمَا بَعْدَهُ مِنَ الْمُحَاوَرَةِ الَّتِي ظَاهِرُهَا أَنَّهَا لَا تَصْدُرُ إِلَّا مِنَ الْعُقَلَاءِ، وَجَاءَ مَا يُشْبِهُ ذَلِكَ مَنْصُوصًا فِي قَوْلِهِ ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ «١» أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ «٢» وَسُؤَالُهُ تَعَالَى وَهُوَ عَالِمٌ بِالْمَسْئُولِ عَنْهُ لِيُجِيبُوا بِمَا أَجَابُوا بِهِ فَيُبَكِّتَ عَبَدَتَهُمْ بِتَكْذِيبِهِمْ إِيَّاهُمْ فَيَزِيدَ حَسْرَتَهُمْ وَيُسَرُّ الْمُؤْمِنُونَ بِحَالِهِمْ وَنَجَاتِهِمْ مِنْ فَضِيحَةِ أُولَئِكَ، وَلِيَكُونَ حِكَايَةُ ذَلِكَ فِي الْقُرْآنِ لُطْفًا لِلْمُكَلَّفِينَ. وَجَاءَ الِاسْتِفْهَامُ مُقَدَّمًا فِيهِ الِاسْمُ عَلَى الْفِعْلِ وَلَمْ يَأْتِ التَّرْكِيبُ أَأَضْلَلْتُمْ وَلَا أَضَلُّوا لِأَنَّ كُلًّا مِنَ الْإِضْلَالِ وَالضَّلَالِ وَاقِعٌ وَالسُّؤَالُ إِنَّمَا هُوَ مِنْ فَاعِلِهِ. وَتَقَدَّمَ نَظِيرُ هَذَا فِي أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنا يَا إِبْراهِيمُ «٣» وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَفِيهِ كَسْرٌ بَيِّنٌ لِقَوْلِ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ يُضِلُّ عِبَادَهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ حَيْثُ يَقُولُ لِلْمَعْبُودِينَ مِنْ دُونِهِ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ أم ضلوا


(١) سورة سبأ: ٣٤/ ٤٠.
(٢) سورة المائدة: ٥/ ١١٦.
(٣) سورة الأنبياء: ٢١/ ٦٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>