اللَّفْظَتَانِ عُوذَةٌ لِلْعَرَبِ يَقُولُهُمَا مَنْ خَافَ آخَرَ فِي الْحَرَمِ أَوْ فِي شَهْرٍ حَرَامٍ إِذَا لَقِيَهُ وَبَيْنَهُمَا تِرَةٌ انْتَهَى. وَمِنْهُ قَوْلُ الْمُتَلَمِّسِ:
حَنَّتْ إِلَى النَّخْلَةِ الْقُصْوَى فَقُلْتُ لَهَا ... حِجْرٌ حَرَامٌ أَلَا تِلْكَ الدَّهَالِيسُ
أَيْ هَذَا الَّذِي حَنَنْتِ إِلَيْهِ هُوَ مَمْنُوعٌ، وَذَكَرَ سِيبَوَيْهِ حِجْراً فِي الْمَصَادِرِ الْمَنْصُوبَةِ غَيْرِ الْمُتَصَرِّفَةِ. وَقَالَ بَعْضُ الرُّجَّازِ:
قَالَتْ وَفِيهَا حَيْرَةٌ وَذُعْرُ ... عَوَذٌ يُرَى مِنْكُمْ وَحِجْرُ
وَأَنَّهُ وَاجِبٌ إِضْمَارُ نَاصِبِهَا. قَالَ سِيبَوَيْهِ: وَيَقُولُ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ أَتَفْعَلُ كَذَا؟ فَيَقُولُ حِجْرًا وَهِيَ مِنْ حَجَرَهُ إِذَا مَنَعَهُ لِأَنَّ الْمُسْتَعِيذَ طَالِبٌ مِنَ اللَّهِ أَنْ يَمْنَعَ الْمَكْرُوهَ لَا يَلْحَقَهُ.
وَقَرَأَ أَبُو رَجَاءٍ وَالْحَسَنُ وَالضَّحَّاكُ حِجْراً بِضَمِّ الْحَاءِ. وَقِيلَ: الضَّمِيرُ فِي وَيَقُولُونَ عَائِدٌ عَلَى الْمَلَائِكَةِ أَيْ تَقُولُ الْمَلَائِكَةُ لِلْمُجْرِمِينَ حِجْراً مَحْجُوراً عَلَيْكُمُ البشرى ومَحْجُوراً صفة يؤكد مَعْنَى حِجْراً كَمَا قَالُوا: مَوْتٌ مَائِتٌ، وَذَيْلٌ ذَائِلٌ، وَالْقُدُومُ الْحَقِيقِيُّ مُسْتَحِيلٌ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ حُكْمِهِ بِذَلِكَ وَإِنْفَاذِهِ.
قِيلَ: أَوْ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ قَدِمَتْ مَلَائِكَتُنَا وَأَسْنَدَ ذَلِكَ إِلَيْهِ لِأَنَّهُ عَنْ أَمْرِهِ، وَحَسُنَتْ لَفْظَةُ قَدِمْنا لِأَنَّ الْقَادِمَ عَلَى شَيْءٍ مَكْرُوهٍ لَمْ يُقَرِّرْهُ وَلَا أَمَرَ بِهِ مُغَيِّرٌ لَهُ وَمُذْهِبٌ، فَمَثَّلَتْ حَالَ هَؤُلَاءِ وَأَعْمَالَهُمُ الَّتِي عَمِلُوهَا فِي كُفْرِهِمْ مِنْ صِلَةِ رَحِمٍ وَإِغَاثَةِ مَلْهُوفٍ وَقِرَى ضَيْفٍ، وَمَنٍّ عَلَى أَسِيرٍ. وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَكَارِمِهِمْ بِحَالِ قَوْمٍ خَالَفُوا سُلْطَانَهُمْ فَقَصَدَ إِلَى مَا تَحْتَ أَيْدِيهِمْ فَمَزَّقَهَا بِحَيْثُ لَمْ يَتْرُكْ لَهَا أَثَرًا، وَفِي أَمْثَالِهِمْ أَقَلُّ مِنَ الهباء ومَنْثُوراً صِفَةٌ لِلْهَبَاءِ شَبَّهَهُ بِالْهَبَاءِ لِقِلَّتِهِ وَأَنَّهُ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ، ثُمَّ وَصَفَهُ بِمَنْثُورًا لِأَنَّ الْهَبَاءَ تَرَاهُ مُنْتَظِمًا مَعَ الضَّوْءِ فَإِذَا حَرَّكَتْهُ الرِّيحُ رَأَيْتَهُ قَدْ تَنَاثَرَ وَذَهَبَ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: أَوْ جَعَلَهُ يَعْنِي مَنْثُوراً مَفْعُولًا ثَالِثًا لِجَعَلْنَاهُ أَيْ فَجَعَلْناهُ جَامِعًا لِحَقَارَةِ الْهَبَاءِ وَالتَّنَاثُرِ. كَقَوْلِهِ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ «١» أَيِ جَامِعِينَ لِلْمَسْخِ وَالْخَسْءِ انْتَهَى. وَخَالَفَ ابْنُ دُرُسْتُوَيْهِ فَخَالَفَ النَّحْوِيِّينَ فِي مَنْعِهِ أَنْ يَكُونَ لِكَانَ خَبَرَانِ وَأَزْيَدُ. وَقِيَاسُ قَوْلِهِ فِي جَعَلَ أَنْ يُمْنَعَ أَنْ يَكُونَ لَهَا خَبَرٌ ثَالِثٌ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْهَبَاءُ الْمَنْثُورُ مَا تَسْفِي بِهِ الرِّيَاحُ وَتَبُثُّهُ. وَعَنْهُ أَيْضًا: الْهَبَاءُ الْمَاءُ الْمُهْرَاقُ وَالْمُسْتَقَرُّ مَكَانُ الِاسْتِقْرَارِ فِي أَكْثَرِ الْأَوْقَاتِ. وَالْمَقِيلُ الْمَكَانُ الَّذِي يأوون إليه في
(١) سورة البقرة: ٢/ ٦٥.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute