للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْفَصَاحَةِ، وَيَجِدُ السَّامِعُ عِنْدَهُ فِي نَفْسِهِ مِنَ الرَّوْعَةِ وَالِاسْتِحْسَانِ مَا لَا يَجِدُ عِنْدَ لَفْظِ الْمُكَنَّى عَنْهُ انْتَهَى. وَقَالَ الشَّاعِرُ فِي حَرْقِ النَّابِ:

أَبَى الضَّيْمَ وَالنُّعْمَانُ يَحْرِقُ نَابَهُ ... عَلَيْهِ فَأَفْضَى وَالسُّيُوفُ مَعَاقِلُهْ

يَقُولُ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ أَيْ قَائِلًا يَا لَيْتَنِي فَإِنْ كَانَتِ اللَّامُ لِلْعَهْدِ فَالْمَعْنَى أَنَّهُ تَمَنَّى عُقْبَةُ أَنْ لَوْ صَحِبَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَلَكَ طَرِيقَ الْحَقِّ، وَإِنْ كَانَتِ اللَّامُ لِلْجِنْسِ فَالْمَعْنَى أَنَّهُ تَمَنَّى سُلُوكَ طَرِيقِ الرَّسُولِ وَهُوَ الْإِيمَانُ، وَيَكُونُ الرَّسُولُ لِلْجِنْسِ لِأَنَّ كُلَّ ظَالِمٍ قَدْ كُلِّفَ اتِّبَاعَ مَا جَاءَ بِهِ رَسُولُ مِنَ اللَّهِ إِلَى أَنْ جَاءَتِ الْمِلَّةُ الْمُحَمَّدِيَّةُ فَنَسَخَتْ جَمِيعَ الْمِلَلِ، فَلَا يُقْبَلُ بَعْدَ مَجِيئِهِ دِينٌ غَيْرُ الَّذِي جَاءَ بِهِ. ثُمَّ يُنَادِي بِالْوَيْلِ وَالْحَسْرَةِ يَقُولُ يَا وَيْلَتى أَيْ يَا هَلَكَاهُ كَقَوْلِهِ يَا حَسْرَتى عَلى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ «١» . وَقَرَأَ الْحَسَنُ وَابْنُ قطيب يا لَيْتَنِي بِكَسْرِ التَّاءِ وَالْيَاءُ يَاءُ الْإِضَافَةِ وَهُوَ الْأَصْلُ لِأَنَّ الرَّجُلَ يُنَادِي وَيْلَتَهُ وَهِيَ هَلَكَتُهُ يَقُولُ لَهَا تَعَالَيْ فَهَذَا أَوَانُكِ. وَقَرَأَتْ فِرْقَةٌ بِالْإِمَالَةِ. قَالَ أَبُو عَلِيٍّ: وَتَرْكُ الْإِمَالَةِ أَحْسَنُ لِأَنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ الْيَاءُ فَبُدِّلَتِ الْكَسْرَةُ فَتْحَةً وَالْيَاءُ أَلِفًا فِرَارًا مِنَ الْيَاءِ فَمَنْ أَمَالَ رَجَعَ إِلَى الَّذِي عَنْهُ فَرَّ أَوَّلًا. وَفُلَانٌ كِنَايَةٌ عَنِ الْعَلَمِ وَهُوَ متصرف. وقل كِنَايَةٌ عَنْ نَكِرَةِ الْإِنْسَانِ نَحْوُ: يَا رَجُلُ وَهُوَ مُخْتَصٌّ بِالنِّدَاءِ، وَفُلَةُ بِمَعْنَى يَا امْرَأَةُ كَذَلِكَ وَلَامُ قل يَاءٌ أَوْ وَاوٌ وَلَيْسَ مُرَخَّمًا مِنْ فُلَانٍ خِلَافًا لِلْفَرَّاءِ. وَوَهَمَ ابْنُ عُصْفُورٍ وَابْنُ مَالِكٍ وَصَاحِبُ الْبَسِيطِ فِي قَوْلِهِمْ فُلُ كِنَايَةٌ عَنِ الْعَلَمِ كَفُلَانٍ. وَفِي كِتَابِ سِيبَوَيْهِ مَا قُلْنَاهُ بِالنَّقْلِ عَنِ الْعَرَبِ.

والذِّكْرِ ذِكْرُ اللَّهِ أَوِ الْقُرْآنِ أَوِ الْمَوْعِظَةُ، وَالظَّاهِرُ حَمْلُ الشَّيْطَانِ عَلَى ظَاهِرِهِ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي وَسْوَسَ إِلَيْهِ فِي مُخَالَّةِ مَنْ أَضَلَّهُ سَمَّاهُ شَيْطَانًا لِأَنَّهُ يُضِلُّ كَمَا يُضِلُّ الشَّيْطَانُ ثُمَّ خَذَلَهُ وَلَمْ يَنْفَعْهُ فِي الْعَاقِبَةِ. وَتَحْتَمِلُ هَذِهِ الْجُمْلَةُ أَنْ تَكُونَ مِنْ تَمَامِ كَلَامِ الظَّالِمَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ إِخْبَارًا مِنْ كَلَامِ اللَّهِ عَلَى جِهَةِ الدَّلَالَةِ عَلَى وَجْهِ ضَلَالِهِمْ وَالتَّحْذِيرِ مِنَ الشَّيْطَانِ الَّذِي بَلَّغَهُمْ ذَلِكَ الْمَبْلَغَ.

وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ تَمْثِيلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ بِالْمِسْكِ وَالْجَلِيسِ السُّوءِ بِنَافِخِ الْكِيرِ.

وَالظَّاهِرُ أَنَّ دُعَاءَ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَبَّهُ وَإِخْبَارَهُ بِهَجْرِ قَوْمِهِ قُرَيْشٍ الْقُرْآنَ هُوَ مِمَّا جَرَى لَهُ فِي الدُّنْيَا بِدَلِيلِ إِقْبَالِهِ عَلَيْهِ مُسَلِّيًا مُؤَانِسًا بِقَوْلِهِ وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَأَنَّهُ هُوَ الْكَافِي فِي هِدَايَتِهِ وَنَصْرِهِ فَهُوَ وَعْدٌ مِنْهُ بِالنَّصْرِ وَهَذَا الْقَوْلُ مِنَ الرَّسُولِ وَشِكَايَتُهُ فِيهِ تَخْوِيفٌ لِقَوْمِهِ. وَقَالَتْ فِرْقَةٌ مِنْهُمْ أَبُو مُسْلِمٍ إِنَّهُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي


(١) سُورَةِ الزمر: ٣٩/ ٥٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>