للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُتَعَدِّيَةً إِلَى وَاحِدٍ أَوْ فِي مَوْضِعِ مَفْعُولَيْنِ إِنْ كَانَتْ تَعَدَّتْ إِلَى اثْنَيْنِ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَنْ موصولة مفعولة بيعلمون وأَضَلُّ خبر مبتدأ محذوف أي هُوَ أَضَلُّ، وَصَارَ حَذْفُ هَذَا الْمُضْمَرِ لِلِاسْتِطَالَةِ الَّتِي حَصَلَتْ فِي قَوْلِ الْعَرَبِ مَا أَنَا بِالَّذِي قَائِلٌ لَكَ سَوَاءٌ.

أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ هَذَا يَأْسٌ عَنْ إِيمَانِهِمْ وَإِشَارَةٌ إِلَيْهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنْ لَا يَتَأَسَّفَ عَلَيْهِمْ، وَإِعْلَامٌ أَنَّهُمْ فِي الْجَهْلِ بِالْمَنَافِعِ وَقِلَّةِ النَّظَرِ فِي الْعَوَاقِبِ مِثْلُ الْبَهَائِمِ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا مِنَ الْأَنْعَامِ مِنْ حَيْثُ لَهُمْ فَهْمٌ وَتَرَكُوا اسْتِعْمَالَهُ فِيمَا يُخَلِّصُهُمْ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ. وَالْأَنْعَامُ لَا سَبِيلَ لَهَا إلى فهم المصالح. وأَ رَأَيْتَ اسْتِفْهَامُ تَعَجُّبٍ مِنْ جَهْلِ من هذه حاله وإِلهَهُ المفعول الأول لاتخذ، وهَواهُ الثَّانِي أَيْ أَقَامَ مُقَامَ الْإِلَهِ الَّذِي يَعْبُدُهُ هَوَاهُ فَهُوَ جَارٍ عَلَى مَا يَكُونُ فِي هَواهُ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ لَمْ يَتَّخِذْ إِلَهًا إِلَّا هَوَاهُ وَادِّعَاءُ الْقَلْبِ لَيْسَ بِجَيِّدٍ إِذْ يُقَدِّرُهُ مَنِ اتَّخَذَ هَوَاهُ إِلَهَهُ وَالْبَيْتُ مِنْ ضَرَائِرِ الشِّعْرِ وَنَادِرِ الْكَلَامِ فَيُنَزَّهُ كَلَامُ اللَّهِ عَنْهُ كَانَ الرَّجُلُ يَعْبُدُ الصَّنَمَ فَإِذَا رَأَى أَحْسَنَ مِنْهُ رَمَاهُ وَأَخَذَ الْأَحْسَنَ.

قِيلَ: نَزَلَتْ فِي الْحَارِثِ بْنِ قَيْسٍ السَّهْمِيُّ، كَانَ إِذَا هَوِيَ شَيْئًا عَبَدَهُ، وَالْهَوَى مَيْلُ الْقَلْبِ إِلَى الشَّيْءِ أَفَأَنْتَ تُجْبِرُهُ عَلَى تَرْكِ هَوَاهُ، أَوْ أَفَأَنْتَ تَحْفَظُهُ مِنْ عَظِيمِ جَهْلِهِ. وَقَرَأَ بَعْضُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَنِ اتَّخَذَ آلِهَةً مُنَوَّنَةً عَلَى الْجَمْعِ، وَفِيهِ تَقْدِيمٌ جَعَلَ هَوَاهُ أَنْوَاعًا أَسْمَاءً لِأَجْنَاسٍ مُخْتَلِفَةٍ فَجَعَلَ كُلَّ جِنْسٍ مِنْ هَوَاهُ إِلَهًا آخَرَ. وَقَرَأَ ابْنُ هُرْمُزَ: إِلَاهَةً عَلَى وَزْنِ فِعَالَةٍ وَفِيهِ أَيْضًا تَقْدِيمٌ أَيْ هَوَاهُ إِلَاهَةً بِمَعْنَى مَعْبُودٍ لِأَنَّهَا بِمَعْنَى الْمَأْلُوهَةِ. فَالْهَاءُ فِيهَا لِلْمُبَالَغَةِ فَلِذَلِكَ صُرِفَتْ. وَقِيلَ: بَلِ الْإِلَاهَةُ الشَّمْسُ وَيُقَالُ لَهَا أُلَاهَةٌ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَهِيَ غَيْرُ مَصْرُوفَةٍ لِلْعَلَمِيَّةِ وَالتَّأْنِيثِ لَكِنَّهَا لَمَّا كَانَتْ مِمَّا يَدْخُلُهَا لَامُ الْمَعْرِفَةِ فِي بَعْضِ اللُّغَاتِ صَارَتْ بِمَنْزِلَةِ مَا كَانَ فِيهِ اللَّامُ ثُمَّ نُزِعَتْ فَلِذَلِكَ صُرِفَتْ وَصَارَتْ بِمَنْزِلَةِ النُّعُوتِ فَتَنَكَّرَتْ قَالَهُ صَاحِبُ اللَّوَامِحِ. وَمَفْعُولُ أَرَأَيْتَ الْأَوَّلُ هُوَ مَنِ وَالْجُمْلَةُ الِاسْتِفْهَامِيَّةُ فِي مَوْضِعِ الْمَفْعُولِ الثَّانِي. وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي أَرَأَيْتَ فِي أَوَائِلِ الْأَنْعَامِ وَمَعْنَى وَكِيلًا أَيْ هَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَدْعُوَ إِلَى الْهُدَى فَتَتَوَكَّلَ عَلَيْهِ وَتُجْبِرَهُ على الإسلام. وأَمْ منقطعة تَتَقَدَّرُ بِبَلْ وَالْهَمْزَةُ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ كَأَنَّهُ قَالَ: بَلْ أَتَحْسَبُ كَأَنَّ هَذِهِ الْمَذَمَّةَ أَشَدُّ مِنَ الَّتِي تَقَدَّمَتْهَا حَتَّى حُفَّتْ بِالْإِضْرَابِ عَنْهَا إِلَيْهَا وَهُوَ كَوْنُهُمْ مَسْلُوبِي الْأَسْمَاعِ وَالْعُقُولِ لِأَنَّهُمْ لَا يُلْقُونَ إِلَى استماع الحق أذنا إِلَى تَدَبُّرِهِ عَقْلًا، وَمُشَبَّهِينَ بِالْأَنْعَامِ الَّتِي هِيَ مَثَلٌ فِي الْغَفْلَةِ وَالضَّلَالَةِ، وَنُفِيَ ذَلِكَ عَنْ أَكْثَرِهِمْ لِأَنَّ فِيهِمْ مَنْ سَبَقَتْ لَهُ السَّعَادَةُ فَأَسْلَمَ، وَجُعِلُوا أَضَلَّ مِنَ الْأَنْعَامِ لِأَنَّهَا تَنْقَادُ لِأَرْبَابِهَا وَتَعْرِفُ مَنْ يُحْسِنُ إِلَيْهَا مِمَّنْ يُسِيءُ إِلَيْهَا وَتَطْلُبُ مَنْفَعَتَهَا وَتَتَجَنَّبُ مَضَرَّتَهَا وَتَهْتَدِي إِلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>