للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالظَّاهِرُ أَنَّ حِجْراً مَحْجُوراً مَعْطُوفٌ عَلَى بَرْزَخاً عَطْفَ الْمَفْعُولِ عَلَى الْمَفْعُولِ وَكَذَا أَعْرَبَهُ الْحَوْفِيُّ، وَعَلَى مَا ذَكَرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ يَكُونُ ذَلِكَ عَلَى إِضْمَارِ الْقَوْلِ الْمَجَازِيِّ أَيْ، وَيَقُولَانِ أَيْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ حِجْراً مَحْجُوراً.

وَالظَّاهِرُ عُمُومُ الْبَشَرِ وَهُمْ بَنُو آدَمَ وَالْبَشَرُ يَنْطَلِقُ عَلَى الْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالنَّسَبِ آدَمُ وَبِالصِّهْرِ حَوَّاءُ. وَقِيلَ: النَّسَبُ البنون والصهر البنات ومِنَ الْماءِ إِمَّا النُّطْفَةُ، وَإِمَّا أَنَّهُ أَصْلُ خِلْقَةِ كُلِّ حَيٍّ، وَالنَّسَبُ وَالصِّهْرُ يَعُمَّانِ كُلَّ قُرْبَى بَيْنَ آدَمِيَّيْنِ، فَالنَّسَبُ أَنْ يَجْتَمِعَ مَعَ آخَرَ فِي أَبٍ وَأُمٍّ قَرُبَ ذَلِكَ أَوْ بَعُدَ، وَالصِّهْرُ هُوَ نَوَاشِجُ الْمُنَاكَحَةِ.

وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ النَّسَبُ مَا لَا يَحِلُّ نِكَاحُهُ وَالصِّهْرُ قَرَابَةُ الرَّضَاعِ.

وَعَنْ طَاوُسٍ: الرَّضَاعَةُ مِنَ الصِّهْرِ.

وَعَنْ عَلِيٍّ: الصِّهْرُ مَا يَحِلُّ نِكَاحُهُ وَالنَّسَبُ مَا لَا يَحِلُّ نِكَاحُهُ.

وَقَالَ الضَّحَّاكُ:

الصِّهْرُ قَرَابَةُ الرَّضَاعِ.

وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: نَزَلَتْ فِي النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلِيٍّ لِأَنَّهُ جَمَعَهُ مَعَهُ نَسَبٌ وَصِهْرٌ.

قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: فَاجْتِمَاعُهُمَا وَكَادَةُ حُرْمَةٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَكانَ رَبُّكَ قَدِيراً حَيْثُ خَلَقَ مِنَ النُّطْفَةِ الْوَاحِدَةِ بَشَرًا نَوْعَيْنِ ذَكَرًا وَأُنْثَى.

وَلَمَّا ذَكَرَ دَلَائِلَ قُدْرَتِهِ وَمَا امْتَنَّ بِهِ عَلَى عِبَادِهِ مِنْ غَرَائِبِ مَصْنُوعَاتِهِ ثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّهُ الْمُسْتَحِقُّ لِلْعِبَادَةِ لِنَفْعِهِ وَضُرِّهِ بَيْنَ فَسَادِ عُقُولِ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ يَعْبُدُونَ الْأَصْنَامَ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْكافِرُ اسْمُ جِنْسٍ فَيَعُمُّ. وَقِيلَ: هُوَ أَبُو جَهْلٍ وَالْآيَةُ نَزَلَتْ فِيهِ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ الْكافِرُ هَنَا إِبْلِيسُ وَالظَّهِيرُ وَالْمَظَاهِرُ كَالْمُعِينِ وَالْمُعَاوِنِ قَالَهُ مُجَاهِدٌ وَالْحَسَنُ وَابْنُ زَيْدٍ، وَفَعِيلٌ بِمَعْنَى مُفَاعِلٍ كَثِيرٌ وَالْمَعْنَى أَنَّ الْكافِرُ يُعَاوِنُ الشَّيْطَانَ عَلَى رَبِّهِ بِالْعَدَاوَةِ وَالشَّرِيكِ.

وَقِيلَ: مَعْنَاهُ وَكَانَ الَّذِي يَفْعَلُ هَذَا الْفِعْلَ وَهُوَ عِبَادَةُ مَا لَا يَنْفَعُ وَلَا يَضُرُّ عَلَى رَبِّهِ هَيِّنًا مَهِينًا مِنْ قَوْلِهِمْ: ظَهَرْتُ بِهِ إِذَا خَلَّفْتَهُ خَلْفَ ظَهْرِكَ لَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ، وَهَذَا نَحْوُ قَوْلِهِ أُولئِكَ لَا خَلاقَ لَهُمْ «١» الْآيَةَ قَالَهُ الطَّبَرِيُّ. وَقِيلَ: عَلى رَبِّهِ أَيْ مُعِينًا عَلَى أَوْلِيَاءِ اللَّهِ. وَقِيلَ:

مُعِينًا لِلْمُشْرِكِينَ عَلَى أَنْ لَا يُوَحَّدَ اللَّهُ.

وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا مُبَشِّراً وَنَذِيراً سَلَّى نَبِيَّهُ بِذَلِكَ أَيْ لَا تَهْتَمَّ بِهِمْ وَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ، وَإِنَّمَا أَنْتَ رَسُولٌ تُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ بِالْجَنَّةِ وَتُنْذِرُ الْكَفَرَةَ بِالنَّارِ، وَلَسْتَ بِمَطْلُوبٍ بِإِيمَانِهِمْ أَجْمَعِينَ. ثُمَّ أَمَرَهُ تَعَالَى أَنْ يَحْتَجَّ عَلَيْهِمْ مُزِيلًا لِوُجُوهِ التُّهَمِ بِقَوْلِهِ قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ أَيْ لَا أَطْلُبُ مَالًا وَلَا نَفْعًا يَخْتَصُّ بِي. وَالضَّمِيرُ فِي عَلَيْهِ عَائِدٌ


(١) سورة آل عمران: ٣/ ٧٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>