وقيل: أولئك الخبر والَّذِينَ صِفَةٌ، وَقَوْمٌ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ يُسَمَّوْنَ الْعِبَادَ لِأَنَّ كِسْرَى مَلَكَهُمْ دُونَ الْعَرَبِ. وَقِيلَ: لِأَنَّهُمْ تَأَلَّهُوا مَعَ نَصَارَى الْحِيرَةِ فَصَارُوا عِبَادَ اللَّهِ. وَقَرَأَ الْيَمَانِيُّ: وَعُبَّادُ جَمْعَ عَابِدٍ كَضَارِبٍ وَضُرَّابٍ. وَقَرَأَ الْحَسَنُ: وَعُبُدُ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَالْبَاءِ. وَقَرَأَ السُّلَمِيُّ وَالْيَمَانِيُّ يَمْشُونَ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ مُشَدَّدًا. وَالْهَوْنُ: الرِّفْقُ وَاللِّينُ. وَانْتَصَبَ هَوْناً عَلَى أَنَّهُ نَعْتٌ لِمَصْدَرٍ محذوف أي مَشْيًا هَوْنًا أَوْ عَلَى الْحَالِ، أَيْ يَمْشُونَ هَيِّنِينَ فِي تُؤَدَةٍ وَسَكِينَةٍ وَحُسْنِ سَمْتٍ لَا يَضْرِبُونَ بِأَقْدَامِهِمْ وَلَا يَخْفُقُونَ بِنِعَالِهِمْ أَشَرًا وَبَطَرًا، وَلِذَلِكَ كَرِهَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الرُّكُوبَ فِي الْأَسْوَاقِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: بِالْحِلْمِ وَالْوَقَارِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: بِالطَّاعَةِ وَالْعَفَافِ وَالتَّوَاضُعِ. وَقَالَ الْحَسَنُ: حُلَمَاءُ إِنْ جُهِلَ عَلَيْهِمْ لَمْ يَجْهَلُوا. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ هَوْناً عِبَارَةٌ عَنْ عَيْشِهِمْ وَمُدَّةِ حَيَاتِهِمْ وَتَصَرُّفَاتِهِمْ، فَذَكَرَ مِنْ ذَلِكَ الْمُعْظَمَ لَا سِيَّمَا وَفِي الِانْتِقَالِ فِي الْأَرْضِ هِيَ مُعَاشَرَةُ النَّاسِ وَخِلْطَتُهُمْ ثُمَّ قَالَ هَوْناً بمعنى أمره هَوْنٌ أَيْ لَيْسَ بِخَشِنٍ، وَذَهَبَتْ فِرْقَةٌ إِلَى أَنَّ هَوْناً مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ أَيْ أَنَّ الْمَشْيَ هُوَ الْهَوْنُ، وَيُشْبِهُ أَنْ يَتَأَوَّلَ هَذَا عَلَى أَنْ يَكُونَ أَخْلَاقُ ذَلِكَ الْمَاشِي هَوْناً مُنَاسِبَةً لِمَشْيِهِ فَيَرْجِعَ الْقَوْلُ إِلَى نَحْوِ مَا بَيَّنَّا، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ صِفَةَ الْمَشْيِ وَحْدَهُ فَبَاطِلٌ، لِأَنَّ رُبَّ مَاشٍ هَوْناً رُوَيْدًا وَهُوَ ذَنَبُ أَطْلَسَ.
وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَكَفَّأُ فِي مَشْيِهِ كَأَنَّمَا يَمْشِي فِي صَبَبٍ.
وَهُوَ عَلَيْهِ السَّلَامُ الصَّدْرُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ
وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «مَنْ مَشَى مِنْكُمْ فِي طَمَعٍ فَلْيَمْشِ رُوَيْدًا» .
أَرَادَ فِي عمر نَفْسِهِ وَلَمْ يُرِدِ الْمَشْيَ وَحْدَهُ أَلَا تَرَى أَنَّ المبطلين المتحلين بِالدِّينِ تَمَسَّكُوا بِصُورَةِ الْمَشْيِ فَقَطْ حَتَّى قَالَ فِيهِمُ الشَّاعِرُ:
كُلُّهُمْ يَمْشِي رُوَيْدَا ... كُلُّهُمْ يَطْلُبُ صَيْدَا
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: سُرْعَةُ الْمَشْيِ تَذْهَبُ بِبَهَاءِ الْوَجْهِ، يُرِيدُ الْإِسْرَاعَ الْخَفِيفَ لِأَنَّهُ يُخِلُّ بِالْوَقَارِ وَالْخَيْرُ فِي التَّوَسُّطِ. وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: إِنَّهُ رَأَى فِي النَّوْمِ مَنْ فَسَّرَ لَهُ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً
بِأَنَّهُمُ الَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ أَنْ يُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ.
وَقَالَ عِيَاضُ بْنُ مُوسَى: كَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَرْفَعُ فِي مَشْيِهِ رِجْلَيْهِ بِسُرْعَةٍ وَعَدْوُ خَطْوِهِ خِلَافُ مِشْيَةِ الْمُخْتَالِ، وَيُقْصَدُ سَمْتُهُ وَكُلُّ ذَلِكَ بِرِفْقٍ وَتَثَبُّتٍ دُونَ عَجَلَةٍ كَمَا قَالَ: «إِنَّمَا يَنْحَطُّ مِنْ صَبَبٍ» .
وَكَانَ عُمَرُ يُسْرِعُ جِبِلَّةً لَا تَكَلُّفًا.
وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ أَيْ مِمَّا لَا يَسُوغُ الْخِطَابُ بِهِ قالُوا سَلاماً أَيْ سَلَامَ تَوْدِيعٍ لَا تَحِيَّةٍ كَقَوْلِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِأَبِيهِ سَلامٌ عَلَيْكَ «١» قَالَهُ الأصم. وقال
(١) سورة مريم: ١٩/ ٤٧.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute