التَّعْدِيَةِ لَكَانَ: وَقَفَّيْنَاهُ مِنْ بَعْدِهِ الرُّسُلَ، وَكَوْنُهُ لَمْ يجىء كَذَلِكَ فِي الْقُرْآنِ، يَبْعُدُ أَنْ تَكُونَ الْبَاءُ زَائِدَةً فِي الْمَفْعُولِ الْأَوَّلِ، وَيَكُونَ الْمَفْعُولُ الثَّانِي جَاءَ مَحْذُوفًا. أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ:
ثُمَّ قَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِرُسُلِنا وَقَفَّيْنا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ «١» ، وَلَكِنَّهُ ضُمِّنَ مَعْنَى جِئْنَا، كَأَنَّهُ قَالَ: وَجِئْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ، يَقْفُو بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَمِنْ فِي: مِنْ بَعْدِهِ: لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، لِأَنَّهُ يُحْكَى أَنَّ مُوسَى لَمْ يَمُتْ حتى نبىء يُوشَعُ. بِالرُّسُلِ: أَرْسَلَ اللَّهُ عَلَى أَثَرِ مُوسَى رُسُلًا وَهُمْ: يُوشَعُ، وَشَمْوِيلُ، وَشَمْعُونُ، وَدَاوُدُ، وَسُلَيْمَانُ، وَشَعْيَا، وَأَرْمَيَا، وَعُزَيْرٌ، وَحَزْقِيلُ، وَإِلْيَاسُ، وَالْيَسْعُ وَيُونُسُ، وَزَكَرِيَّا، وَيَحْيَى، وَغَيْرُهُمْ. والباء في بالرسل متعلقة بِقَفَّيْنَا، وَالْأَلِفُ وَاللَّامُ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ لِلْجِنْسِ الْخَاصِّ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ لِلْعَهْدِ، لِمَا اسْتُفِيدَ مِنَ الْقُرْآنِ وَغَيْرِهِ أَنَّ هَؤُلَاءِ بُعِثُوا مِنْ بَعْدِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ التَّقْفِيَةُ مَعْنَوِيَّةً، وَهِيَ كَوْنُهُمْ يَتَّبِعُونَهُ فِي الْعَمَلِ بِالتَّوْرَاةِ وَأَحْكَامِهَا، وَيُأْمَرُونَ بِاتِّبَاعِهَا وَالْبَقَاءِ عَلَى الْتِزَامِهَا.
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: بِالرُّسُلِ بِضَمِّ السِّينِ. وَقَرَأَ الْحَسَنُ وَيَحْيَى بْنُ يَعْمَرَ: بِتَسْكِينِهَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُمَا لُغَتَانِ، وَوَافَقَهُمَا أَبُو عَمْرٍو إِنْ أُضِيفَ إِلَى ضَمِيرِ جَمْعٍ نَحْوُ: رُسْلِهِمْ وَرُسْلِكُمْ وَرُسْلِنَا، اسْتُثْقِلَ تَوَالِي أَرْبَعِ مُتَحَرِّكَاتٍ، فَسُكِّنَ تَخْفِيفًا.
وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ: أَضَافَ عِيسَى إِلَى أُمِّهِ رَدًّا عَلَى الْيَهُودِ فِيمَا أَضَافُوهُ إِلَيْهِ.
الْبَيِّناتِ: وَهِيَ الْحُجَجُ الْوَاضِحَةُ الدَّالَّةُ عَلَى نُبُوَّتِهِ، فَيَشْمَلُ كُلَّ مُعْجِزَةٍ أُوتِيَهَا عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ. وَقِيلَ: الْإِنْجِيلُ. وَقِيلَ: الْحُجَجُ الَّتِي أَقَامَهَا اللَّهُ عَلَى الْيَهُودِ.
وَقِيلَ: إِبْرَاءُ الْأَكْمَهِ وَالْأَبْرَصِ، وَالْإِخْبَارُ بِالْمُغَيَّبَاتِ، وَإِحْيَاءُ الْمَوْتَى، وَهُمْ أَرْبَعَةٌ: سَامُ بْنُ نُوحٍ، وَالْعَازِرُ، وَابْنُ الْعَجُوزِ، وَبِنْتُ الْعِشَارِ، وَمِنَ الطَّيْرِ: الْخُفَّاشُ، فَقِيلَ: لَمْ يَكُنْ مِنْ قَبْلِ عِيسَى، بَلْ هُوَ صُورَةٌ، وَاللَّهُ نَفَخَ فِيهِ الرُّوحَ. وَقِيلَ: كَانَ قَبْلَهُ، فَوَضَعَ عِيسَى عَلَى مِثَالِهِ.
قَالُوا: وَإِنَّمَا اخْتُصَّ هَذَا النَّوْعُ مِنَ الطَّيْرِ لِأَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ مِنَ الطَّيْرِ أَشَدَّ خَلْقًا مِنْهُ، لِأَنَّهُ لَحْمُ كُلُّهُ. وَأَجْمَلَ اللَّهُ ذِكْرَ الرُّسُلِ، وَفَصَّلَ ذِكْرَ عِيسَى، لِأَنَّ مَنْ قَبْلَهُ كَانُوا مُتَّبِعِينَ شَرِيعَةَ مُوسَى، وَأَمَّا عِيسَى فَنَسَخَ شَرْعُهُ كَثِيرًا مِنْ شَرْعِ مُوسَى.
وَأَيَّدْناهُ: قَرَأَ الْجُمْهُورُ عَلَى وَزْنِ فَعَّلْنَاهُ. وَقَرَأَ مُجَاهِدٌ، وَالْأَعْرَجُ، وَحُمَيْدٌ، وَابْنُ مُحَيْصِنٍ، وَحُسَيْنٌ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو: أَأْيَدْنَاهُ، عَلَى وَزْنِ: أَفْعَلْنَاهُ. وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ فِي الْمُفْرَدَاتِ، وَفَرَّقَ بَعْضُهُمْ بَيْنَهُمَا فَقَالَ: أَمَّا الْمَدُّ فَمَعْنَاهُ الْقُوَّةُ، وَأَمَّا الْقَصْرُ فَالتَّأْيِيدُ وَالنَّصْرُ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُمَا بِمَعْنَى قَوَّيْنَاهُ، وَكِلَاهُمَا مِنَ الْأَيْدِ، وَهُوَ الْقُوَّةُ. بِرُوحِ الْقُدُسِ:
(١) سورة الحديد: ٥٧/ ٢٧.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute