للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَمِينٌ: لَا أَخْتَلِسُ مِنْهُ شَيْئًا. قَالَ الْحَسَنُ: كَانَ كَافِرًا، لَكِنَّهُ كَانَ مُسَخَّرًا، وَالْعِفْرِيتُ لَا يَكُونُ إِلَّا كَافِرًا.

قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ، قِيلَ: هُوَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، وَهُوَ جِبْرِيلُ، قَالَهُ النَّخَعِيُّ. وَالْكِتَابُ: اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ، أَوْ كِتَابُ سُلَيْمَانَ إِلَى بِلْقِيسَ. وَقِيلَ: مَلَكٌ أَيَّدَ اللَّهُ بِهِ سُلَيْمَانَ. وَقِيلَ: هُوَ رَجُلٌ مِنْ الْإِنْسِ، وَاسْمُهُ آصَفُ بْنُ بَرْخِيَا، كَاتِبُ سُلَيْمَانَ، وَكَانَ صِدِّيقًا عَالِمًا قَالَهُ الجمهور. أو اسطوم، أَوْ هُودٌ، أَوْ مَلِيخَا، قَالَهُ قَتَادَةُ. أَوْ أَسْطُورُسُ، أَوِ الْخَضِرُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَهُ ابْنُ لَهِيعَةَ. وَقَالَتْ جَمَاعَةٌ: هُوَ ضَبَّةُ بْنُ ادجد بَنِي ضَبَّةَ، مِنَ الْعَرَبِ، وَكَانَ فَاضِلًا يَخْدُمُ سُلَيْمَانَ، كَانَ عَلَى قِطْعَةٍ مِنْ خَيْلِهِ، وَهَذِهِ أَقْوَالٌ مُضْطَرِبَةٌ، وَقَدْ أَبْهَمَ اللَّهُ اسْمَهُ، فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُذْكَرَ اسْمُهُ حَتَّى يُخْبِرَ بِهِ نَبِيٌّ. وَمِنْ أَغْرَبِ الْأَقْوَالِ أَنَّهُ سُلَيْمَانُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، كَأَنَّهُ يَقُولُ لِنَفْسِهِ: أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ، أَوْ يَكُونُ خَاطَبَ بِذَلِكَ الْعِفْرِيتَ، حَكَى هَذَا الْقَوْلَ الزَّمَخْشَرِيُّ وَغَيْرُهُ، كَأَنَّهُ اسْتَبْطَأَ مَا قَالَ الْعِفْرِيتَ، فَقَالَ لَهُ سُلَيْمَانُ ذَلِكَ عَلَى تَحْقِيرِ الْعِفْرِيتِ. وَالْكِتَابُ: هُوَ الْمُنَزَّلِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، أَوِ اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ، قَوْلَانِ. وَالْعِلْمُ الَّذِي أُوتِيَهُ، قِيلَ: اسْمُ اللَّهِ الْأَعْظَمِ وَهُوَ: يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ. وَقِيلَ:

يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ. وَقِيلَ بِالْعِبْرَانِيَّةِ: أهيا شراهيا. وَقَالَ الْحَسَنُ: اللَّهُ ثُمَّ الرَّحْمَنُ.

وَالظَّاهِرُ أَنَّ ارْتِدَادَ الطَّرْفِ حَقِيقَةٌ، وَأَنَّهُ أَقْصَرُ فِي الْمُدَّةِ مِنْ مُدَّةِ الْعِفْرِيتِ، وَلِذَلِكَ

رُوِيَ أَنَّ سُلَيْمَانَ قَالَ: أُرِيدُ أَسْرَعَ مِنْ ذَلِكَ حِينَ أَجَابَهُ الْعِفْرِيتُ

، وَلَمَّا كَانَ النَّاظِرُ مَوْصُوفًا بِإِرْسَالِ الْبَصَرِ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:

وَكُنْتَ مَتَى أَرْسَلْتَ طَرْفَكَ رَائِدًا ... لِقَلْبِكَ يَوْمًا أَتْعَبَتْكَ الْمَنَاظِرُ

وُصِفَ بِرَدِّ الطَّرْفِ، وَوُصِفَ الطَّرْفُ بِالِارْتِدَادِ. فَالْمَعْنَى أَنَّكَ تُرْسِلُ طَرْفَكَ، فَقَبْلَ أَنْ تَرُدَّهُ أَتَيْتُكَ بِهِ، وَصَارَ بَيْنَ يَدَيْكَ.

فَرُوِيَ أَنَّ آصَفَ قَالَ لِسُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: مُدَّ عَيْنَيْكَ حَتَّى يَنْتَهِيَ طَرْفُكَ، فَمَدَّ طَرْفَهُ فَنَظَرَ نَحْوَ الْيَمَنِ، فَدَعَا آصَفُ فَغَابَ الْعَرْشُ فِي مَكَانِهِ بِمَأْرِبَ، ثُمَّ نَبَعَ عِنْدَ مَجْلِسِ سُلَيْمَانَ بِالشَّامِ بِقُدْرَةِ اللَّهِ، قَبْلَ أَنْ يَرُدَّ طَرْفَهُ.

وَقَالَ ابْنُ جُبَيْرٍ، وَقَتَادَةُ: قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَيْكَ مَنْ يَقَعُ طَرْفُكَ عَلَيْهِ فِي أَبْعَدِ مَا تَرَى. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: قَبْلَ أَنْ تَحْتَاجَ إِلَى التَّغْمِيضِ، أَيْ مُدَّةَ مَا يُمْكِنُكَ أَنْ تَمُدَّ بَصَرَكَ دُونَ تَغْمِيضٍ، وَذَلِكَ ارْتِدَادُهُ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ:

وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ يُقَابِلَانِ قَوْلَ مَنْ قَالَ: إِنَّ الْقِيَامَ هُوَ مِنْ مَجْلِسِ الْحُكْمِ، وَمَنْ قَالَ: إِنَّ الْقِيَامَ هُوَ مِنَ الْجُلُوسِ، فَيَقُولُ فِي ارْتِدَادِ الطَّرْفِ هُوَ أَنْ تَطْرِفَ، أَيْ قَبْلَ أَنْ تُغْمِضَ عَيْنَيْكَ وَتَفْتَحَهُمَا، وَذَلِكَ أَنَّ الثَّانِيَ يُعْطِي الْأَقْصَرَ فِي الْمُدَّةِ وَلَا بُدَّ. انْتَهَى. وَقِيلَ: طَرْفُكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>