الْقَسْرِيُّ، قَالَ: فَأَيْنَ قَوْلُ مُوسَى؟ وَتَلَا الْآيَةَ: فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خائِفاً مِنْ قبل الْقِبْطِيِّ أَنْ يُؤْخَذَ بِهِ، يَتَرَقَّبُ وُقُوعَ الْمَكْرُوهِ بِهِ، أَوِ الْإِخْبَارَ هَلْ وَقَفُوا عَلَى مَا كَانَ مِنْهُ؟ وقيل: خَائِفًا مِنْ أَنَّهُ يَتَرَقَّبُ الْمَغْفِرَةَ. وَقِيلَ: خَائِفًا يَتَرَقَّبُ نُصْرَةَ رَبِّهِ، أَوْ يَتَرَقَّبُ هِدَايَةَ قَوْمِهِ، أَوْ يَنْتَظِرُ أَنْ يُسْلِمَهُ قَوْمُهُ. فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ: أَيِ الْإِسْرَائِيلِيُّ الَّذِي كَانَ قَتَلَ الْقِبْطِيَّ بِسَبَبِهِ. وَإِذَا هُنَا لِلْمُفَاجَأَةِ، وَبِالْأَمْسِ يَعْنِي الْيَوْمَ الَّذِي قَبْلَ يَوْمِ الِاسْتِصْرَاخِ، وَهُوَ مُعْرَبٌ، فَحَرَكَةُ سِينِهِ حَرَكَةُ إِعْرَابٍ لِأَنَّهُ دَخَلَتْهُ أَلْ، بِخِلَافِ حَالِهِ إِذَا عري منها، فالحجاز تنبيه إِذَا كَانَ مَعْرِفَةً، وَتَمِيمٌ تَمْنَعُهُ الصَّرْفَ حَالَةَ الرَّفْعِ فَقَطْ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْنَعُهُ الصَّرْفَ مُطْلَقًا، وَقَدْ يُبْنَى مَعَ أَلْ عَلَى سَبِيلِ النُّدُورِ. قَالَ الشَّاعِرُ:
وَإِنِّي حَسِبْتُ الْيَوْمَ وَالْأَمْسَ قَبْلَهُ ... إِلَى اللَّيْلِ حَتَّى كَادَتِ الشَّمْسُ تَغْرُبُ
يَسْتَصْرِخُهُ: يَصِيحُ بِهِ مُسْتَغِيثًا مِنْ قِبْطِيٍّ آخَرَ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
كُنَّا إِذَا مَا أَتَانَا صَارِخٌ فَزِعٌ ... كَانَ الصُّرَاخُ لَهُ قَرْعُ الطَّنَابِيبِ
قَالَ لَهُ مُوسَى: الظَّاهِرُ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي لَهُ عَائِدٌ عَلَى الَّذِي إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ لِكَوْنِكَ كُنْتَ سَبَبًا فِي قَتْلِ الْقِبْطِيِّ بِالْأَمْسِ، قَالَ لَهُ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْعِتَابِ وَالتَّأْنِيبِ. وَقِيلَ:
الضَّمِيرُ فِي لَهُ، وَالْخِطَابُ لِلْقِبْطِيِّ، وَدَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: يَسْتَصْرِخُهُ، وَلَمْ يَفْهَمِ الْإِسْرَائِيلِيُّ أَنَّ الْخِطَابَ لِلْقِبْطِيِّ. فَلَمَّا أَنْ أَرادَ أَنْ يَبْطِشَ: الظَّاهِرُ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي أَرَادَ وَيَبْطِشُ هُوَ لِمُوسَى. بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُما: أَيْ لِلْمُسْتَصْرِخِ وَمُوسَى وَهُوَ الْقِبْطِيُّ يُوهِمُ الْإِسْرَائِيلِيَّ أَنَّ قَوْلَهُ: إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ هُوَ عَلَى سَبِيلِ إِرَادَةِ السُّوءِ بِهِ، وَظَنَّ أَنَّهُ يَسْطُو عَلَيْهِ. قَالَ، أَيِ الْإِسْرَائِيلِيُّ: يَا مُوسى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ، دَفْعًا لِمَا ظَنَّهُ مِنْ سَطْوِ مُوسَى عليه، وكان تعيين القائل الْقِبْطِيِّ قَدْ خَفِيَ عَلَى النَّاسِ، فَانْتَشَرَ فِي الْمَدِينَةِ أَنَّ قَاتِلَ الْقِبْطِيِّ هُوَ مُوسَى، وَنَمَى ذَلِكَ إِلَى فِرْعَوْنَ، فَأَمَرَ بِقَتْلِ مُوسَى. وَقِيلَ: الضَّمِيرُ فِي أَرَادَ ويبطش لِلْإِسْرَائِيلِيِّ عِنْدَ ذَلِكَ مِنْ مُوسَى، وَخَاطَبَهُ بِمَا يَقْبُحُ، وَأَنَّ بَعْدَ لَمَّا يَطَّرِدُ زِيَادَتُهَا.
وَقِيلَ: لَوْ إِذَا سَبَقَ قَسَمٌ كَقَوْلِهِ:
فَأُقْسِمُ أَنْ لَوِ الْتَقَيْنَا وَأَنْتُمْ ... لَكَانَ لَكُمْ يَوْمٌ مِنَ الشَّرِّ مُظْلِمُ
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: يَبْطِشَ، بِكَسْرِ الطَّاءِ وَالْحَسَنُ، وَأَبُو جَعْفَرٍ: بِضَمِّهَا. إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ: وَشَأْنُ الْجَبَّارِ أَنْ يَقْتُلَ بِغَيْرِ حَقٍّ. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: مَنْ قَتَلَ رَجُلَيْنِ فَهُوَ جَبَّارٌ، يَعْنِي بِغَيْرِ حَقٍّ، وَلَمَّا أَثْبَتَ لَهُ الْجَبَرُوتِيَّةَ نَفَى عَنْهُ الصَّلَاحَ. وَجاءَ رَجُلٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute