أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ، فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ وَسارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ نَارًا قالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ.
تَوَجَّهَ: رَدَّ وجهه. وتِلْقاءَ: تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي يُونُسَ، أَيْ نَاحِيَةَ وَجْهِهِ.
اسْتُعْمِلَ الْمَصْدَرُ اسْتِعْمَالَ الظَّرْفِ، وَكَانَ هُنَاكَ ثَلَاثُ طُرُقٍ، فَأَخَذَ مُوسَى أَوْسَطَهَا، وَأَخَذَ طَالِبُوهُ فِي الْآخَرَيْنِ وَقَالُوا: الْمُرِيبُ لَا يَأْخُذُ فِي أَعْظَمِ الطُّرُقِ وَلَا يَسْلُكُ إِلَّا بُنَيَّاتِهَا. فَبَقِيَ فِي الطَّرِيقِ ثَمَانِيَ لَيَالٍ وَهُوَ حَافٍ، لَا يَطْعَمُ إِلَّا وَرَقَ الشَّجَرِ. وَالظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِهِ: عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ، أَنَّهُ كَانَ لَا يَعْرِفُ الطَّرِيقَ، فَسَأَلَ رَبَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ أَقْصَدَ الطَّرِيقِ بِحَيْثُ أَنَّهُ لَا يُضِلُّ، إِذْ لَوْ سَلَكَ مَا لَا يُوَصِّلُهُ إِلَى الْمَقْصُودِ لَتَاهَ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:
قَصَدَ مَدْيَنَ وَأَخَذَ يَمْشِي مِنْ غَيْرِ مَعْرِفَةٍ، فَأَوْصَلَهُ اللَّهُ إِلَى مَدْيَنَ. وَقِيلَ: هَدَاهُ جِبْرِيلُ إِلَى مَدْيَنَ. وَقِيلَ: مَلَكٌ غَيْرُهُ. وَقِيلَ: أَخَذَ طَرِيقًا يَأْمَنُ فِيهِ، فَاتَّفَقَ ذَهَابُهُ إِلَى مَدْيَنَ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ: وَسَطُ الطَّرِيقِ الَّذِي يَسْلُكُهُ إِلَى مَكَانِ مَأْمَنِهِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: سَوَاءَ السَّبِيلِ:
طَرِيقُ مَدْيَنَ. وَقَالَ الْحَسَنُ: هُوَ سَبِيلُ الْهُدَى، فَمَشَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَى أَنْ وَصَلَ إِلَى مَدْيَنَ، وَلَمْ يَكُنْ فِي طَاعَةِ فِرْعَوْنَ.
وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ: أَيْ وَصَلَ إِلَيْهِ، وَالْوُرُودُ بِمَعْنَى الْوُصُولِ إِلَى الشَّيْءِ، وَبِمَعْنَى الدُّخُولِ فِيهِ. قِيلَ: وَكَانَ هَذَا الْمَاءُ بِئْرًا. وَالْأُمَّةُ: الْجَمْعُ الْكَثِيرُ، وَمَعْنَى عَلَيْهِ: أَيْ عَلَى شَفِيرِهِ وَحَاشِيَتِهِ. يَسْقُونَ: يَعْنِي مَوَاشِيَهُمْ. وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ: أَيْ مِنَ الْجِهَةِ الَّتِي وَصَلَ إِلَيْهَا قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَى الْأُمَّةِ، فَهُمَا مِنْ دُونِهِمْ بِالْإِضَافَةِ إِلَيْهِ، قَالَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ.
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: فِي مَكَانٍ أَسْفَلَ مِنْ مَكَانِهِمْ. تَذُودانِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ: تَذُودَانِ غَنَمَهُمَا عَنِ الْمَاءِ خَوْفًا مِنَ السُّقَاةِ الْأَقْوِيَاءِ. وَقَالَ قَتَادَةُ: تَذُودَانِ النَّاسَ عَنْ غَنَمِهِمَا. قَالَ الزَّجَّاجُ: وَكَأَنَّهُمَا تَكْرَهَانِ الْمُزَاحَمَةَ عَلَى الْمَاءِ. وَقِيلَ: لِئَلَّا تَخْتَلِطَ غَنَمُهُمَا بِأَغْنَامِهِمْ.
وَقِيلَ: تَذُودَانِ عَنْ وُجُوهِهِمَا نَظَرَ النَّاظِرِ لِتَسَتُّرِهِمَا. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: تَحْبِسَانِهَا عَنْ أَنْ تَتَفَرَّقَ، وَاسْمُ الصغرى عبرا، واسم الكبر صَبُورَا.
وَلَمَّا رَآهُمَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَاقِفَتَيْنِ لَا تَتَقَدَّمَانِ لِلسَّقْيِ، سَأَلَهُمَا فَقَالَ:
مَا خَطْبُكُما؟ قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَالسُّؤَالُ بِالْخَطْبِ إِنَّمَا هُوَ فِي مُصَابٍ، أَوْ مُضْطَهَدٍ، أَوْ مَنْ يُشْفَقُ عَلَيْهِ، أَوْ يَأْتِي بِمُنْكَرٍ مِنَ الْأَمْرِ. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَحَقِيقَتُهُ: مَا مَخْطُوبُكُمَا؟ أَيْ مَا مَطْلُوبُكُمَا مِنَ الذِّيَادِ؟ سُمِّيَ الْمَخْطُوبُ خَطْبًا، كَمَا سمى الشؤون شَأْنًا فِي قَوْلِكَ: