تُغَيَّرَ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا تَبْدِيلَ لِقَضَاءِ اللَّهِ بِسَعَادَتِهِمْ وَشَقَاوَتِهِمْ، وَقِيلَ: هُوَ نَفْيُ مَعْنَاهُ:
النَّهْيُ، أَيْ لَا تُبَدِّلُوا ذَلِكَ الدِّينَ. وَقِيلَ: لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ بِمَعْنَى: الْوَحْدَانِيَّةُ مُتَرَشِّحَةٌ فِيهِ، لَا تَغَيُّرَ لَهَا، حَتَّى لَوْ سَأَلْتَهُ: مَنْ خلق السموات والأرض؟ تقول: اللَّهُ. وَيُسْتَغْرَبُ مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ مَعْنَى لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ: النَّهْيُ عَنْ خِصَاءِ الْفُحُولِ مِنَ الْحَيَوَانِ. وَقَوْلُ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الْمَعْنَى فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ أَلْجَأُ عَلَى الْكَفَرَةِ، اعْتُرِضَ بِهِ أَثْنَاءَ الْكَلَامِ، كَأَنَّهُ يَقُولُ: أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الَّذِي مِنْ صِفَتِهِ كَذَا وَكَذَا، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ الْكَفَرَةَ وَمَنْ خَلَقَ اللَّهُ لَهُمُ الكفر، ولا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ: أَيْ أَنَّهُمْ لَا يُفْلِحُونَ ذَلِكَ الَّذِي أُمِرْتَ بِإِقَامَةِ وَجْهِكَ لَهُ، هُوَ الدِّينُ الْمُبَالِغُ فِي الِاسْتِقَامَةِ. وَالْقَيِّمُ: بِيَاءِ مُبَالَغَةٍ، مِنَ الْقِيَامِ، بِمَعْنَى الِاسْتِقَامَةِ، وَوَزْنُهُ فَعِيلٌ، أَصْلُهُ قَيْوِمٌ كَيَدٍ، اجْتَمَعَتِ الْيَاءُ وَالْوَاوُ، وَسَبَقَتْ إِحْدَاهُمَا بِالسُّكُونِ، فَقُلِبَتِ الْوَاوُ يَاءً، وَأُدْغِمَتِ الْيَاءُ فِيهَا، وَهُوَ بِنَاءٌ مُخْتَصٌّ بِالْمُعْتَلِّ الْعَيْنِ، لَمْ يجىء مِنْهُ فِي الصَّحِيحِ إِلَّا بَيْئِسٌ وَصَيْقِلٌ عَلَمٌ لِامْرَأَةٍ.
مُنِيبِينَ: حَالٌ مِنَ النَّاسَ، وَلَا سِيَّمَا إِذَا أُرِيدَ بِالنَّاسِ: الْمُؤْمِنُونَ، أَوْ مِنَ الضَّمِيرِ فِي: الْزَمُوا فِطْرَةَ اللَّهِ، وَهُوَ تَقْدِيرُ الزَّمَخْشَرِيِّ، أَوْ مِنَ الضَّمِيرِ فِي: فَأَقِمْ، إِذِ الْمَقْصُودُ: الرَّسُولُ وَأُمَّتُهُ، وَكَأَنَّهُ حُذِفَ مَعْطُوفٌ، أَيْ فَأَقِمْ وَجْهَكَ وَأُمَّتَكَ. وَكَذَا زَعَمَ الزَّجَّاجُ فِي: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ «١» : أَيْ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ وَالنَّاسُ، وَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ مَجِيءُ الْحَالِ فِي مُنِيبِينَ جَمْعًا، وَفِي إِذا طَلَّقْتُمُ جَاءَ الْخِطَابُ فِيهِ وَفِي مَا بَعْدَهُ.
جَمْعًا، أَوْ عَلَى خَبَرُ كَانَ مُضْمَرَةً، أَيْ كُونُوا مُنِيبِينَ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ بَعْدَ وَلا تَكُونُوا، وَهَذِهِ احْتِمَالَاتٌ مَنْقُولَةٌ كُلُّهَا. مِنَ الْمُشْرِكِينَ: مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، قَالَهُ قَتَادَةُ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: هُمُ الْيَهُودُ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةَ: أَنَّهُمْ أَهْلُ الْقِبْلَةِ، وَلَفْظَةُ الْإِشْرَاكِ عَلَى هَذَا تَجُوزُ بِأَنَّهُمْ صَارُوا فِي دِينِهِمْ فِرَقًا. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ: كُلٌّ مَنْ أَشْرَكَ، فَيَدْخُلُ فِيهِمْ أَهْلُ الكتاب وغيرهم. ومِنَ الَّذِينَ: بَدَلٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَرَّقُوا دِينَهُمْ: أَيْ دِينَ الْإِسْلَامِ وَجَعَلُوهُ أَدْيَانًا مُخْتَلِفَةً لِاخْتِلَافِ أَهْوَائِهِمْ. وَكانُوا شِيَعاً: كُلُّ فِرْقَةٍ تُشَايِعُ إِمَامَهَا الَّذِي كَانَ سَبَبَ ضَلَالِهَا. كُلُّ حِزْبٍ: أَيْ مِنْهُمْ فَرِحٌ بِمَذْهَبِهِ مَفْتُونٌ بِهِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ كُلُّ حِزْبٍ مبتدأ وفَرِحُونَ الْخَبَرُ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الَّذِينَ مُنْقَطِعًا مِمَّا قَبْلَهُ وَمَعْنَاهُ: مِنَ الْمُفَارِقِينَ دِينَهُمْ. كُلُّ حِزْبٍ فَرِحِينَ بِمَا لَدَيْهِمْ، وَلَكِنَّهُ رَفَعَ فَرِحُونَ عَلَى الوصف لكل، كقوله:
(١) سورة الطلاق: ٦٥/ ١. [.....]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute