للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قُلْ يَا مُحَمَّدُ، أَوْ قُلْ يَا مَنْ يُجَادِلُهُمْ. بِئْسَما يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمانُكُمْ: تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي بِئْسَ، وَفِي الْمَذَاهِبِ فِي مَا، فَأَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ. وَقَرَأَ الْحَسَنُ وَمُسْلِمُ بْنُ جُنْدُبٍ: بِهُو إِيمَانُكُمْ، بِضَمِّ الْهَاءِ وَوَصْلِهَا بِوَاوٍ، وَهِيَ لُغَةٌ، وَالضَّمُّ فِي الْأَصْلِ، لَكِنْ كُسِرَتْ فِي أَكْثَرِ اللُّغَاتِ لِأَجْلِ كَسْرَةِ الْبَاءِ، وَعَنَى بِإِيمَانِهِمُ الَّذِي زَعَمُوا فِي قَوْلِهِمْ: نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا، وَأَضَافَ الْأَمْرُ إِلَى إِيمَانِهِمْ عَلَى طَرِيقِ التَّهَكُّمِ، كَمَا قَالَ أَصْحَابُ شُعَيْبٍ:

أصلواتك تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ؟ وَقِيلَ: ثَمَّ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ صَاحِبُ إِيمَانِكُمْ، وَهُوَ إِبْلِيسُ. وَقِيلَ:

ثَمَّ صِفَةٌ مَحْذُوفَةٌ التَّقْدِيرُ إِيمَانُكُمُ الْبَاطِلُ، وَأَضَافَ: الْإِيمَانَ إِلَيْهِمْ لِكَوْنِهِ إِيمَانًا غَيْرَ صَحِيحٍ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَقُلِ الْإِيمَانُ، قَالَهُ بَعْضُ مُعَاصِرِينَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ. وَالْمَخْصُوصُ بِالذَّمِّ مَحْذُوفٌ بَعْدَ مَا، فَإِنْ كَانَتْ مَنْصُوبَةً، فَالتَّقْدِيرُ: بِئْسَ شَيْئًا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ قَتْلُ الْأَنْبِيَاءِ وَالْعِصْيَانُ وَعِبَادَةُ الْعِجْلِ، فَيَكُونُ يَأْمُرُكُمْ صِفَةً لِلتَّمْيِيزِ، أَوْ يَكُونُ التَّقْدِيرُ: بِئْسَ شَيْئًا شَيْءٌ يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ، فَيَكُونُ يَأْمُرُكُمْ صِفَةً لِلْمَخْصُوصِ بِالذَّمِّ الْمَحْذُوفِ، أَوْ يَكُونُ التَّقْدِيرُ: بِئْسَ شَيْئًا مَا يَأْمُرُكُمْ، أَيِ الَّذِي يَأْمُرُكُمْ، فَيَكُونُ يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ. وَالْمَخْصُوصُ مُقَدَّرٌ بَعْدَ ذَلِكَ، أَيْ قَتْلِ الْأَنْبِيَاءِ، وَكَذَا وَكَذَا. فَيَكُونُ مَا مَوْصُولَةً، أَوْ يَكُونُ التَّقْدِيرُ: بِئْسَ الشَّيْءُ شَيْءٌ يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ، فَيَكُونُ مَا تَامَّةً. وَهَذَا كُلُّهُ تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِ مَنْ جَعَلَ لِمَا وَحْدَهَا مَوْضِعًا مِنَ الْإِعْرَابِ.

إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ، قيل: إن نافية، وَقِيلَ: شَرْطِيَّةٌ. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: تَشْكِيكٌ فِي إِيمَانِهِمْ، وَقَدْحٌ فِي صِحَّةِ دَعْوَاهُمْ. انْتَهَى كَلَامُهُ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَقَدْ يَأْتِي الشَّرْطُ، وَالشَّارِطُ يَعْلَمُ أَنَّ الْأَمْرَ عَلَى أَحَدِ الْجِهَتَيْنِ، كَمَا قَالَ اللَّهُ عَنْ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ «١» ، وَقَدْ عَلِمَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْهُ، وَكَذَلِكَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ، وَالْقَائِلُ يَعْلَمُ أَنَّهُمْ غَيْرُ مُؤْمِنِينَ، لَكِنَّهُ أَقَامَ حُجَّةً لِقِيَاسٍ بَيِّنٍ. انْتَهَى كَلَامُهُ، وَهُوَ يُؤَوَّلُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى إِلَى نَفْيِ الْإِيمَانِ عَنْهُمْ، وَجَوَابُ الشَّرْطِ مَحْذُوفٌ لِدَلَالَةِ مَا قَبْلَهُ عَلَيْهِ، أَيْ إِنْ كنتم مؤمنين فبئس ما يأمركم به إيمانكم. وقيل تَقْدِيرُهُ: إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَلَا تَقْتُلُوا الْأَنْبِيَاءَ، وَلَا تُكَذِّبُوا الرُّسُلَ، وَلَا تَكْتُمُوا الْحَقَّ. وَتَقْدِيرُ الْحَذْفِ الْأَوَّلِ أَعْرَبُ وَأَقْوَى.

قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خالِصَةً: نَزَلَتْ فِيمَا حكاه ابن الجوزي عند ما قَالَتِ الْيَهُودُ: إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَخْلُقِ الْجَنَّةَ إِلَّا لِإِسْرَائِيلَ وَبَنِيهِ. وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ وَالرَّبِيعُ:


(١) سورة المائدة: ٥/ ١١٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>