لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبارَ وَكانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْؤُلًا، قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذاً لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا، قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرادَ بِكُمْ سُوءاً أَوْ أَرادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً، قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنا وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا، أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً، يَحْسَبُونَ الْأَحْزابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِي الْأَعْرابِ يَسْئَلُونَ عَنْ أَنْبائِكُمْ وَلَوْ كانُوا فِيكُمْ مَا قاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا.
ذَكَّرَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِنِعْمَتِهِ عَلَيْهِمْ فِي غَزْوَةِ الْخَنْدَقِ، وَمَا اتَّصَلَ بِهَا مِنْ أَمْرِ بَنِي قُرَيْظَةَ، وَقَدِ اسْتَوْفَى ذَلِكَ أَهِلُ السِّيَرِ، وَنَذْكُرُ مِنْ ذَلِكَ مَا لَهُ تَعَلُّقٌ بِالْآيَاتِ التي نفسرها.
وإذ معمولة لنعمة، أَيْ إِنْعَامَهُ عَلَيْكُمْ وَقْتَ مَجِيءِ الْجُنُودِ، وَالْجُنُودُ كَانُوا عَشَرَةَ آلَافٍ، قُرَيْشٌ وَمَنْ تَابَعَهُمْ مِنَ الْأَحَابِيشِ فِي أَرْبَعَةِ آلَافٍ يَقُودُهُمْ أَبُو سُفْيَانَ، وَبَنُو أَسَدٍ يَقُودُهُمْ طُلَيْحَةُ، وَغَطَفَانُ يَقُودُهُمْ عُيَيْنَةُ، وَبَنُو عَامِرٍ يَقُودُهُمْ عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ، وَسُلَيْمٌ يَقُودُهُمْ أَبُو الْأَعْوَرِ، وَالْيَهُودُ النَّضِيرُ رُؤَسَاؤُهُمْ حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ وَابْنَا أَبِي الْحُقَيْقِ، وَبَنُو قُرَيْظَةَ سَيِّدُهُمْ كَعْبُ بْنُ أَسَدٍ، وَكَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرسول عَهْدٌ، فَنَبَذَهُ بِسَعْيِ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ.
وَقِيلَ: فَاجْتَمَعُوا خَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفًا، وَهُمُ الْأَحْزَابُ، وَنَزَلُوا الْمَدِينَةَ، فَحَفَرُوا الخندق بإشارة سليمان، وظهرت للرسول بِهِ تِلْكَ الْمُعْجِزَةُ الْعَظِيمَةُ مِنْ كَسْرِ الصَّخْرَةِ الَّتِي أَعْوَزَتِ الصَّحَابَةَ ثَلَاثَ فِرَقٍ، ظَهَرَتْ مَعَ كُلِّ فِرْقَةٍ بُرْقَةٌ، أَرَاهُ اللَّهُ مِنْهَا مَدَائِنَ كِسْرَى وَمَا حَوْلَهَا، وَمَدَائِنَ قَيْصَرَ وَمَا حَوْلَهَا، وَمَدَائِنَ الْحَبَشَةِ وَمَا حَوْلَهَا وَبُشِّرَ بِفَتْحِ ذَلِكَ، وَأَقَامَ الذَّرَارِيَّ وَالنِّسَاءَ بِالْآطَامِ، وَخَرَجَ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمُونَ فِي ثَلَاثَةِ آلَافٍ، فَنَزَلُوا بِظَهْرِ سَلْعٍ، وَالْخَنْدَقُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُشْرِكِينَ، وَكَانَ ذَلِكَ فِي شَوَّالٍ، سَنَةَ خَمْسٍ، قَالَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ.
وَقَالَ مَالِكٌ: سَنَةَ أَرْبَعٍ.
وَقَرَأَ الْحَسَنُ: وَجُنُودًا، بِفَتْحِ الْجِيمِ وَالْجُمْهُورُ: بِالضَّمِّ. بَعَثَ اللَّهُ الصَّبَا لِنُصْرَةِ نَبِيِّهِ، فَأَضَرَّتْ بِهِمْ هَدَمَتْ بُيُوتَهُمْ، وَأَطْفَأَتْ نِيرَانَهُمْ، وَقَطَعَتْ حِبَالَهُمْ، وَأَكْفَأَتْ قُدُورَهُمْ، وَلَمْ يُمْكِنْهُمْ مَعَهَا قَرَارٌ. وَبَعَثَ اللَّهُ مَعَ الصَّبَا مَلَائِكَةٌ تُشَدِّدُ الرِّيحَ وَتَفْعَلُ نَحْوَ فِعْلِهَا. وَقَرَأَ أَبُو عَمْرٍو فِي رِوَايَةٍ، وَأَبُو بَكْرَةَ فِي رِوَايَةٍ: لَمْ يَرَوْهَا، بِيَاءِ الْغَيْبَةِ وَبَاقِي السَّبْعَةِ، وَالْجُمْهُورُ:
بِتَاءِ الْخِطَابِ. مِنْ فَوْقِكُمْ: مِنْ أَعْلَى الْوَادِي مِنْ قِبَلِ مَشْرِقِ غَطَفَانَ، وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ: من أسفل الوادي منه قِبَلِ الْمَغْرِبِ، وَقُرَيْشٌ تَحَزَّبُوا وَقَالُوا: نَكُونُ جُمْلَةً حَتَّى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute