الْغَائِطِ، مَا يَعِدُنَا إِلَّا غُرُورًا، أَيْ أَمْرًا يَغُرُّنَا وَيُوقِعُنَا فِيمَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ.
وَقَالَ غَيْرُهُ مِنَ الْمُنَافِقِينَ نَحْوَ ذَلِكَ. وقولهم: مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً، هُوَ عَلَى سَبِيلِ الْهُزْءِ، إِذْ لَوِ اعْتَقَدُوا أَنَّهُ رَسُولٌ حَقِيقَةً مَا قَالُوا هَذِهِ الْمَقَالَةَ، فَالْمَعْنَى: وَرَسُولُهُ عَلَى زَعْمِكُمْ وَزَعْمِهِ، وَفِي مُعَتِّبٍ وَنُظَرَائِهِ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ.
وَإِذْ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ: أَيْ مِنَ الْمُنَافِقِينَ، لَا مُقامَ لَكُمْ فِي حَوْمَةِ الْقِتَالِ وَالْمُمَانَعَةِ، فَارْجِعُوا إِلَى بُيُوتِكُمْ وَمَنَازِلِكُمْ، أَمَرُوهُمْ بِالْهَرَبِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقِيلَ: فَارْجِعُوا كُفَّارًا إِلَى دِينِكُمُ الْأَوَّلِ وَأَسْلِمُوهُ إِلَى أَعْدَائِهِ. قَالَ السُّدِّيُّ: وَالْقَائِلُ لِذَلِكَ عبد الله بن أبي ابْنِ سَلُولَ وَأَصْحَابُهُ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: بَنُو مَسْلَمَةَ. وَقَالَ أَوْسُ بْنُ رُومَانَ:
أَوْسُ بن قبطي وَأَصْحَابُهُ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: بَنُو حَارِثَةَ. وَيُمْكِنُ صِحَّةُ هَذِهِ الْأَقْوَالِ، فَإِنَّ فِيهِمْ مَنْ كَانَ مُنَافِقًا. لَا مُقامَ لَكُمْ، وَقَرَأَ السُّلَمِيُّ وَالْأَعْرَجُ وَالْيَمَانِيُّ وَحَفْصٌ: بِضَمِّ الْمِيمِ، فَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ مَكَانًا، أَيْ لَا مَكَانَ إِقَامَةٍ وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ مَصْدَرًا، أَيْ لَا إِقَامَةَ. وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ، وَشَيْبَةُ، وَأَبُو رَجَاءٍ، وَالْحَسَنُ، وَقَتَادَةُ، وَالنَّخَعِيُّ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُسْلِمِ، وَطَلْحَةُ، وَبَاقِي السَّبْعَةِ: بِفَتْحِهَا، وَاحْتَمَلَ أَيْضًا الْمَكَانَ، أَيْ لامكان قِيَامٍ، وَاحْتَمَلَ الْمَصْدَرَ، أَيْ لَا قِيَامَ لَكُمْ. وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ: هُوَ أوس بن قبطي، اسْتَأْذَنَ فِي الدُّخُولِ إِلَى الْمَدِينَةِ عَنِ اتِّفَاقٍ مِنْ عَشِيرَتِهِ. يَقُولُونَ: حَالٌ، أَيْ قَائِلِينَ: إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ: أَيْ مُنْكَشِفَةٌ لِلْعَدُوِّ، وَقِيلَ: خَالِيَةٌ لِلسُّرَّاقِ، يُقَالُ: أَعْوَرَ الْمَنْزِلُ: انْكَشَفَ. وَقَالَ الشَّاعِرُ:
لَهُ الشِّدَّةُ الْأُولَى إِذَا الْقَرْنُ أَعْوَرَا وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْفَرِيقُ بَنُو حَارِثَةَ، وَهُمْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ، اعْتَذَرُوا بِأَنَّ بُيُوتَهُمْ مُعَرَّضَةٌ لِلْعَدُوِّ، مُمْكَنَةٌ لِلسُّرَّاقِ، لِأَنَّهَا غَيْرُ مُحْرَزَةٍ وَلَا مُحَصَّنَةٍ، فَاسْتَأْذَنُوهُ لِيُحَصِّنُوهَا ثُمَّ يَرْجِعُوا إِلَيْهِ، فَأَكْذَبَهُمُ اللَّهُ بِأَنَّهُمْ لَا يَخَافُونَ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يُرِيدُونَ الْفِرَارَ. وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ يَعْمُرَ، وَقَتَادَةُ، وَأَبُو رَجَاءٍ، وَأَبُو حَيْوَةَ، وَابْنُ أَبِي عَبْلَةَ، وَأَبُو طَالُوتَ، وَابْنُ مِقْسَمٍ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنِ ابْنِ كَثِيرٍ: عورة وبعوزة، بِكَسْرِ الْوَاوِ فِيهِمَا وَالْجُمْهُورُ:
بِإِسْكَانِهَا. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَخْفِيفُ عَوْرَةٌ وَبِالْكَسْرِ هُوَ اسْمُ فَاعِلٍ. وَقَالَ ابْنُ جِنِّي: صِحَّةُ الْوَاوِ فِي هَذَا إِشَارَةٌ لِأَنَّهَا مُتَحَرِّكَةٌ قَبْلَهَا فَتْحَةٌ. انْتَهَى. فَيَعْنِي أَنَّهَا تَنْقَلِبُ أَلِفًا، فَيُقَالُ: عَارَةٌ، كَمَا يَقُولُ: رَجُلٌ مَالٌ، أَيْ مُمَوَّلٌ. وَإِذَا كَانَ عَوْرَةٌ اسْمَ فَاعِلٍ، فَهُوَ مِنْ عَوِرَ الَّذِي صَحَّتْ عَيْنُهُ، فَاسْمُ الْفَاعِلِ كَذَلِكَ تَصِحُّ عَيْنُهُ، فَلَا تَكُونُ صِحَّةُ الْعَيْنِ عَلَى هَذَا شُذُوذًا. وَقِيلَ: السُّكُونُ عَلَى أَنَّهُ مَصْدَرٌ وُصِفَ بِهِ، وَالْبَيْتُ الْعَوِرُ: هُوَ الْمُنْفَرِدُ الْمُعَرَّضُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute