يَا رَبَّ مُوسَى أَظْلَمِي وَأَظْلَمَهُ يُرِيدُ: أَظْلَمْنَا حَيْثُ لم يضف أَظْلَمَ إِلَى مَا هُوَ بَعْضُهُ. وَالضَّمِيرُ الْمَنْصُوبُ فِي وَلَتَجِدَنَّهُمْ عَائِدٌ عَلَى الْيَهُودِ الَّذِينَ أَخْبَرَ عَنْهُمْ بِأَنَّهُمْ لَا يَتَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ، أَوْ عَلَى جَمِيعِ الْيَهُودِ، أَوْ عَلَى عُلَمَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَقْوَالٌ ثَلَاثَةٌ. وَأَتَى بِصِيغَةِ أَفْعَلَ مِنَ الْحِرْصِ مُبَالَغَةً فِي شِدَّةِ طَلَبِهِمْ لِلْبَقَاءِ وَدَوَامِ الْحَيَاةِ. وَالنَّاسُ: الْأَلِفُ وَاللَّامُ لِلْجِنْسِ فَتَعُمُّ، أَوْ لِلْعَهْدِ. إِمَّا لِأَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ جَمَاعَةً مِنَ النَّاسِ مَعْرُوفِينَ غَلَبَ عَلَيْهِمُ الْحِرْصُ عَلَى الْحَيَاةِ، أَوْ لِأَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِذَلِكَ الْمَجُوسَ، أَوْ مُشْرِكِي الْعَرَبِ، لِأَنَّ أُولَئِكَ لَا يُوقِنُونَ بِبَعْثٍ، فَلَيْسَ عِنْدَهُمْ إِلَّا نَعِيمُ الدُّنْيَا، أَوْ بُؤْسُهَا، وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْضُهُمْ:
تَمَتَّعْ مِنَ الدُّنْيَا فَإِنَّكَ فَانِ ... مِنَ النَّشَوَاتِ وَالنِّسَا الْحِسَانِ
وَقَالَ آخَرُ:
إِذَا انْقَضَتِ الدُّنْيَا وَزَالَ نَعِيمُهَا ... فَمَا لِيَ فِي شَيْءٍ سِوَى ذَاكَ مَطْمَعُ
عَلى حَياةٍ: قَدَّرُوا فِيهِ أَنَّهُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ، أَيْ عَلَى طُولِ حَيَاةٍ، أَوْ عَلَى حَذْفِ صِفَةٍ، أَيْ عَلَى حَيَاةٍ طَوِيلَةٍ. وَلَوْ لَمْ يُقَدَّرْ حَذْفٌ لَصَحَّ الْمَعْنَى، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى مُطْلَقِ حَيَاةٍ، لِأَنَّ مَنْ كَانَ أَحْرَصَ عَلَى مُطْلَقِ حَيَاةٍ، وَهُوَ تَحَقُّقُهَا بِأَدْنَى زَمَانٍ، فَلِأَنْ يَكُونَ أَحْرَصَ عَلَى حَيَاةٍ طَوِيلَةٍ أَوْلَى، وَكَانُوا قَدْ ذُمُّوا بِأَنَّهُمْ أَشَدُّ النَّاسِ حِرْصًا عَلَى حَيَاةٍ، وَلَوْ سَاعَةً وَاحِدَةً. وَقَرَأَ أُبَيٌّ: عَلَى الْحَيَاةِ، بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ مَا مَعْنَاهُ:
قِرَاءَةُ التَّنْكِيرِ أَبْلَغُ مِنْ قِرَاءَةِ أُبَيٍّ، لِأَنَّهُ أَرَادَ حَيَاةً مَخْصُوصَةً، وَهِيَ الْحَيَاةُ الْمُتَطَاوِلَةُ. انْتَهَى.
وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ لَا يُضْطَرُّ إِلَى هَذِهِ الصِّفَةِ.
وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا دَاخِلًا تَحْتَ أَفْعَلِ التَّفْضِيلِ، فَيَكُونَ ذَلِكَ مِنَ الْحَمْلِ عَلَى الْمَعْنَى، لِأَنَّ مَعْنَى أَحْرَصَ النَّاسِ: أَحْرَصُ مِنَ النَّاسِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الْحَذْفِ، أَيْ وَأَحْرَصُ مِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا، فَحُذِفَ أَحْرَصُ لِدَلَالَةِ أَحْرَصَ الْأَوَّلِ عَلَيْهِ. وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا: الْمَجُوسُ، لِعِبَادَتِهِمُ النُّورَ وَالظُّلْمَةَ. وَقِيلَ: النَّارَ، أَوْ مُشْرِكُو الْعَرَبِ لِعِبَادَتِهِمُ الْأَصْنَامَ وَاتِّخَاذِهِمْ آلِهَةً مَعَ اللَّهِ، أَوْ قَوْمٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا يُنْكِرُونَ الْبَعْثَ، كَمَا قال تعالى: يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ أَإِذا كُنَّا عِظاماً نَخِرَةً «١» .
وَعَلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ يَكُونُ: وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا تَخْصِيصًا بَعْدَ تَعْمِيمٍ، إِذَا قُلْنَا: إِنَّ قَوْلَهُ
(١) سورة النازعات: ٧٩/ ١١.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute