للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولًا، لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً.

كَانَ دَأْبُ الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ تَخْرُجَ الْحُرَّةُ وَالْأَمَةُ مَكْشُوفَتَيِ الْوَجْهِ فِي دِرْعٍ وَخِمَارٍ، وَكَانَ الزُّنَاةُ يَتَعَرَّضُونَ إِذَا خَرَجْنَ بِاللَّيْلِ لِقَضَاءِ حَوَائِجِهِنَّ فِي النَّخِيلِ وَالْغِيطَانِ لِلْإِمَاءِ، وَرُبَّمَا تَعَرَّضُوا لِلْحُرَّةِ بِعِلَّةِ الْأَمَةِ، يَقُولُونَ: حَسِبْنَاهَا أَمَةً، فَأُمِرْنَ أَنْ يُخَالِفْنَ بِزِيِّهِنَّ عَنْ زِيِّ الْإِمَاءِ، بِلُبْسِ الْأَرْدِيَةِ والملاحف، وستر الرؤوس وَالْوُجُوهِ، لِيَحْتَشِمْنَ وَيُهَبْنَ، فَلَا يُطْمَعُ فِيهِنَّ.

وَرُوِيَ أَنَّهُ كَانَ فِي الْمَدِينَةِ قَوْمٌ يَجْلِسُونَ عَلَى الصُّعُدَاتِ لِرُؤْيَةِ النِّسَاءِ وَمُعَارَضَتِهِنَّ وَمُرَاوَدَتِهِنَّ، فَنَزَلَتْ.

قِيلَ: وَالْجَلَابِيبُ: الْأَرْدِيَةُ الَّتِي تَسْتُرُ مِنْ فَوْقَ إِلَى أَسْفَلَ، وَقَالَ ابْنُ جُبَيْرٍ: الْمَقَانِعُ وَقِيلَ: الْمَلَاحِفُ، وَقِيلَ: الْجِلْبَابُ: كُلُّ ثَوْبٍ تَلْبَسُهُ الْمَرْأَةُ فَوْقَ ثِيَابِهَا، وَقِيلَ: كُلُّ مَا تَسْتَتِرُ بِهِ مِنْ كِسَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ. قَالَ أَبُو زَيْدٍ:

تَجَلْبَبْتُ مِنْ سَوَادِ اللَّيْلِ جِلْبَابًا وَقِيلَ: الْجِلْبَابُ أَكْبَرُ مِنَ الْخِمَارِ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: تُلْقِي جَانِبَ الْجِلْبَابِ عَلَى غَيْرِهَا ولا يرى. وقال أبو عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيُّ، حِينَ سُئِلَ عن ذلك فقال: أن تَضَعَ رِدَاءَهَا فَوْقَ الْحَاجِبِ، ثُمَّ تُدِيرُهُ حَتَّى تَضَعَهُ عَلَى أَنْفِهَا. وَقَالَ السُّدِّيُّ: تُغَطِّي إِحْدَى عَيْنَيْهَا وَجَبْهَتَهَا وَالشِّقَّ الْآخَرَ إِلَّا الْعَيْنَ. انْتَهَى. وَكَذَا عَادَةُ بِلَادِ الْأَنْدَلُسِ، لَا يَظْهَرُ مِنَ الْمَرْأَةِ إِلَّا عَيْنُهَا الْوَاحِدَةُ. وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: يَتَقَنَّعْنَ بِمَلَاحِفِهِنَّ مُنْضَمَّةً عَلَيْهِنَّ، أَرَادَ بِالِانْضِمَامِ مَعْنَى: الْإِدْنَاءِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَقَتَادَةُ: وَذَلِكَ أَنْ تَلْوِيَهُ فَوْقَ الْجَبِينِ وَتَشُدَّهُ، ثُمَّ تَعْطِفَهُ عَلَى الْأَنْفِ، وَإِنْ ظَهَرَتْ عَيْنَاهَا، لَكِنَّهُ يَسْتُرُ الصَّدْرَ وَمُعْظَمَ الْوَجْهِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ: وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يَشْمَلُ الْحَرَائِرَ وَالْإِمَاءَ، وَالْفِتْنَةُ بِالْإِمَاءِ أَكْثَرُ، لِكَثْرَةِ تَصَرُّفِهِنَّ بِخِلَافِ الْحَرَائِرِ، فَيَحْتَاجُ إِخْرَاجُهُنَّ مِنْ عُمُومِ النِّسَاءِ إلى دليل واضح. ومن فِي: مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ لِلتَّبْعِيضِ، وعَلَيْهِنَّ:

شَامِلٌ لِجَمِيعِ أَجْسَادِهِنَّ، أَوْ عَلَيْهِنَّ: عَلَى وُجُوهِهِنَّ، لِأَنَّ الَّذِي كَانَ يَبْدُو مِنْهُنَّ فِي الْجَاهِلِيَّةِ هُوَ الْوَجْهُ. ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ: لِتَسَتُّرِهِنَّ بِالْعِفَّةِ، فَلَا يُتَعَرَّضُ لَهُنَّ، وَلَا يُلْقَيْنَ بِمَا يَكْرَهْنَ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا كَانَتْ فِي غَايَةِ التَّسَتُّرِ وَالِانْضِمَامِ، لَمْ يُقْدَمْ عَلَيْهَا، بِخِلَافِ الْمُتَبَرِّجَةِ، فَإِنَّهَا مَطْمُوعٌ فِيهَا. وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً: تَأْنِيسٌ لِلنِّسَاءِ فِي تَرْكِ الِاسْتِتَارِ قَبْلَ أَنْ يؤمر بِذَلِكَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>