تَظْهَرُ، إِنَّمَا يَظْهَرُ مَا يَدُلُّ عَلَيْهَا، وَمَا يَدُلُّ عَلَيْهَا غَيْرُهَا، وَقِيلَ: هُوَ مِنَ الْأَضْدَادِ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: هَذَا لَمْ يَثْبُتْ قَطُّ فِي لُغَةٍ أَنَّ أَسَرَّ مِنَ الْأَضْدَادِ وَنَدَامَةُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا عَلَى ضَلَالِهِمْ فِي أَنْفُسِهِمْ وَإِضْلَالِهِمْ وَنَدَامَةُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا عَلَى ضَلَالِهِمْ وَاتِّبَاعِهِمُ الْمُضِلِّينَ. وَجَعَلْنَا الْأَغْلالَ فِي أَعْناقِ الَّذِينَ كَفَرُوا، وَالظَّاهِرُ عُمُومُ الَّذِينَ كَفَرُوا، فَيَدْخُلُ فِيهِ الْمُسْتَكْبِرُونَ وَالْمُسْتَضْعَفُونَ، لِأَنَّ مِنَ الْكُفَّارِ مَنْ لَا يَكُونُ لَهُ اتِّبَاعُ مُرَاجَعَةِ الْقَوْلِ فِي الْآخِرَةِ، وَلَا يَكُونُ أَيْضًا تَابِعًا لِرَئِيسٍ لَهُ كَافِرٍ، كَالْغُلَامِ الَّذِي قَتَلَهُ الْخَضِرُ. وَقِيلَ: الَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الَّذِينَ سَبَقَتْ مِنْهُمُ الْمُحَاوَرَةُ، وَجَعَلَ الْأَغْلَالَ إِشَارَةً إِلَى كَيْفِيَّةِ الْعَذَابِ قَطَعُوا بِأَنَّهُمْ وَاقِعُونَ فِيهِ فَتَرَكُوا التَّنَدُّمَ. هَلْ يُجْزَوْنَ: مَعْنَاهُ النَّفْيِ، وَلِذَلِكَ دَخَلَتْ إِلَّا بَعْدَ النَّفْيِ.
وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ، وَقالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالًا وَأَوْلاداً وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ، قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ، وَما أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ بِما عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ، وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ، قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ، وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ، قالُوا سُبْحانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ، فَالْيَوْمَ لَا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعاً وَلا ضَرًّا وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ، وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالُوا مَا هَذَا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُكُمْ وَقالُوا مَا هَذَا إِلَّا إِفْكٌ مُفْتَرىً وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ.
وَما أَرْسَلْنا الْآيَةَ: هَذِهِ تَسْلِيَةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِمَّا مُنِيَ بِهِ مِنْ قَوْمِهِ قُرَيْشٍ، مِنَ الْكُفْرِ وَالِافْتِخَارِ بِالْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ. وَأَنَّ مَا ذَكَرُوا مِنْ ذَلِكَ هُوَ عَادَةُ الْمُتْرَفِينَ مَعَ أَنْبِيَائِهِمْ، فَلَا يُهِمَّنَّكَ أمرهم. ومِنْ نَذِيرٍ: عَامٌّ، أَيْ تُنْذِرُهُمْ بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ لَمْ يوحدوه. وقالَ مُتْرَفُوها: جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ، وَنَصَّ عَلَى الْمُتْرَفِينَ لِأَنَّهُمْ أَوَّلُ الْمُكَذِّبِينَ لِلرُّسُلِ، لِمَا شُغِلُوا بِهِ مِنْ زَخْرَفَةِ الدُّنْيَا وَمَا غَلَبَ عَلَى عُقُولِهِمْ مِنْهَا، فَقُلُوبُهُمْ أَبَدًا مَشْغُولَةٌ مُنْهَمِكَةٌ بِخِلَافِ الْفُقَرَاءِ. فَإِنَّهُمْ خَالُونَ مِنْ مُسْتَلِذَّاتِ الدُّنْيَا، فَقُلُوبُهُمْ أَقْبَلُ لِلْخَيْرِ، وَلِذَلِكَ هُمْ أَتْبَاعُ الْأَنْبِيَاءِ، كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ هِرَقْلَ. وَبِمَا مُتَعَلِّقٌ بِكَافِرُونَ، وَبِهِ مُتَعَلِّقٌ بِأُرْسِلْتُمْ، وَمَا عَامَّةٌ فِي مَا جَاءَتْ بِهِ النُّذُرُ مِنْ طَلَبِ الْإِيمَانُ بِاللَّهِ وَإِفْرَادُهُ بِالْعِبَادَةِ وَالْإِخْبَارِ بِأَنَّهُمْ رُسُلُهُ إِلَيْهِمْ، وَالْبَعْثِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute