فَمَا لَكَ بَيْتٌ لَدَى الشَّامِخَاتِ ... وَمَا لَكَ فِي غَالِبٍ مِنْ خَلَاقِ
مَثُوبَةٌ: مَفْعَلَةٌ مِنَ الثَّوَابِ، نُقِلَتْ حَرَكَةُ الْوَاوِ إِلَى الثَّاءِ، وَيُقَالُ مَثُوبَةٌ. وَكَانَ قِيَاسُهُ الْإِعْلَالَ فَتَقُولُ: مَثَابَةٌ، وَلَكِنَّهُمْ صَحَّحُوهُ كَمَا صَحَّحُوا فِي الْأَعْلَامِ مُكَوَّرَةً، وَنَظِيرُهُمَا فِي الْوَزْنِ مِنَ الصَّحِيحِ: مَقْبَرَةٌ وَمَقْبُرَةٌ.
قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ: أَجْمَعَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ أَنَّ الْيَهُودَ قَالُوا: جِبْرِيلُ عَدُّونَا، وَاخْتُلِفَ فِي كَيْفِيَّةِ ذَلِكَ، وَهَلْ كَانَ سَبَبُ النُّزُولِ مُحَاوَرَتَهُمْ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، أَوْ مُحَاوَرَتَهُمْ مَعَ عُمَرَ؟ وَمُلَخَّصُ الْعَدَاوَةِ: أَنَّ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ يَأْتِي بِالْهَلَاكِ وَالْخَسْفِ وَالْجَدْبِ، وَلَوْ كَانَ مِيكَالُ صَاحِبَ مُحَمَّدٍ لَاتَّبَعْنَاهُ، لِأَنَّهُ يَأْتِي بِالْخِصْبِ وَالسِّلْمِ، وَلِكَوْنِهِ دَافَعَ عَنْ بُخْتَ نَصَّرَ حِينَ أَرَدْنَا قَتْلَهُ، فَخَرَّبَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ وَأَهْلَكَنَا، وَلِكَوْنِهِ يُطْلِعُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى سِرِّنَا. وَالْخِطَابُ بِقَوْلِهِ: قُلْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَعْمُولُ الْقَوْلِ: الْجُمْلَةُ بَعْدُ وَمَنْ هُنَا شَرْطِيَّةٌ. وَقَالَ الرَّاغِبُ:
الْعَدَاوَةُ، التَّجَاوُزُ وَمُنَافَاةُ الِالْتِئَامِ. فَبِالْقَلْبِ يُقَالُ الْعَدَاوَةُ، وَبِالْمَشْيِ يُقَالُ الْعَدُوُّ، وَبِالْإِخْلَالِ فِي الْعَدْلِ يُقَالُ الْعُدْوَانُ، وَبِالْمَكَانِ أَوِ النَّسَبِ يُقَالُ قَوْمٌ عِدًى، أَيْ غُرَبَاءُ.
فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ: لَيْسَ هَذَا جَوَابَ الشَّرْطِ لِمَا تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْعَرَبِيَّةِ أَنَّ اسْمَ الشَّرْطِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِي الْجَوَابِ ضَمِيرٌ يَعُودُ عَلَيْهِ، فَلَوْ قُلْتَ: مَنْ يُكْرِمُنِي؟ فَزَيْدٌ قَائِمٌ، لَمْ يَجُزْ.
وَقَوْلُهُ: فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ، لَيْسَ فِيهِ ضَمِيرٌ يَعُودُ عَلَى مَنْ. وَقَدْ صَرَّحَ بِأَنَّهُ جَزَاءٌ لِلشَّرْطِ الزَّمَخْشَرِيُّ، وَهُوَ خَطَأٌ، لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ عَدَمِ عَوْدِ الضَّمِيرِ، وَلِمُضِيِّ فِعْلِ التَّنْزِيلِ، فَلَا يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ الْجُمْلَةُ جَزَاءً، وَإِنَّمَا الْجَزَاءُ مَحْذُوفٌ لِدَلَالَةِ مَا بَعْدَهُ عَلَيْهِ، التَّقْدِيرُ: فَعَدَاوَتُهُ لَا وَجْهَ لَهَا، أَوْ مَا أَشْبَهَ هَذَا التَّقْدِيرَ. وَالضَّمِيرُ فِي فَإِنَّهُ عَائِدٌ عَلَى جِبْرِيلَ، وَالضَّمِيرُ فِي نَزَّلَهُ عَائِدٌ عَلَى الْقُرْآنِ لِدَلَالَةِ الْمَعْنَى عَلَيْهِ. أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ: مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ، وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ؟ وَهَذِهِ كُلُّهَا مِنْ صِفَاتِ الْقُرْآنِ. وَلِقَوْلِهِ: بِإِذْنِ اللَّهِ، أَيْ فَإِنَّ جِبْرِيلَ نَزَّلَ الْقُرْآنَ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ. وَقِيلَ: الضَّمِيرُ فِي فَإِنَّهُ عَائِدٌ عَلَى اللَّهِ، وَفِي نَزَّلَهُ عَائِدٌ عَلَى جِبْرِيلَ، التَّقْدِيرُ: فَإِنَّ اللَّهَ نَزَّلَ جِبْرِيلَ بِالْقُرْآنِ عَلَى قَلْبِكَ. وَفِي كُلٍّ مِنْ هَذَيْنِ التَّقْدِيرَيْنِ إِضْمَارٌ يَعُودُ عَلَى مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ سِيَاقُ الْمَعْنَى. لَكِنَّ التَّقْدِيرَ الْأَوَّلَ أَوْلَى، لِمَا ذَكَرْنَاهُ، وَلِيَكُونَ مُوَافِقًا لِقَوْلِهِ: نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ «١» ، وَيَنْظُرُ لِلتَّقْدِيرِ الثَّانِي قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ:
نَزَّلَ بِالتَّشْدِيدِ، وَالرُّوحَ بِالنَّصْبِ. وَمُنَاسَبَةُ دَلِيلِ الْجَزَاءِ لِلشَّرْطِ هُوَ أَنَّ مَنْ كَانَ عدوا لجبريل،
(١) سورة الشعراء: ٢٦/ ١٩٣ و ١٩٤.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute