للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَعَ التَّأْنِيثِ. فَقِيَاسُ الزَّمَخْشَرِيِّ قِيَاسٌ فَاسِدٌ، إِذْ غَفَلَ عَنْ شَرْطِ كَوْنِ الصِّفَةِ عِلَّةً. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: عُدِلَتْ عَنْ حَالِ التَّنْكِيرِ، فَتَعَرَّفَتْ بِالْعَدْلِ، فَهِيَ لَا تَنْصَرِفُ لِلْعَدْلِ وَالتَّعْرِيفِ، وَقِيلَ:

لِلْعَدْلِ وَالصِّفَةِ. انْتَهَى. وَهَذَا الثَّانِي هُوَ الْمَشْهُورُ، وَالْأَوَّلُ قَوْلٌ لِبَعْضِ الْكُوفِيِّينَ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمَلَكَ الْوَاحِدَ مِنْ صِنْفٍ لَهُ جَنَاحَانِ، وَآخَرَ ثَلَاثَةٌ، وَآخَرَ أَرْبَعَةٌ، وَآخَرَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، لِمَا روي أن لجبريل سِتَّمِائَةِ جَنَاحٍ، مِنْهَا اثْنَانِ يَبْلُغُ بِهِمَا الْمَشْرِقَ إِلَى الْمَغْرِبِ. قَالَ قَتَادَةُ:

وَأَخَذَ الزَّمَخْشَرِيُّ يَتَكَلَّمُ عَلَى كَيْفِيَّةِ هَذِهِ الْأَجْنِحَةِ، وَعَلَى صُورَةِ الثَّلَاثَةِ بِمَا لَا يُجْدِي قَائِلًا:

يُطَالِعُ ذَلِكَ فِي كِتَابِهِ. وَقَالَتْ فِرْقَةٌ: الْمَعْنَى أَنَّ فِي كُلِّ جَانِبٍ مِنَ الْمَلَكِ جَنَاحَانِ، وَلِبَعْضِهِمْ ثَلَاثَةٌ، وَلِبَعْضِهِمْ أَرْبَعَةٌ، وَإِلَّا فَلَوْ كَانَتْ ثَلَاثَةً لِوَاحِدٍ، لَمَا اعْتَدَلَتْ فِي مُعْتَادٍ مَا رَأَيْنَا نَحْنُ مِنَ الْأَجْنِحَةِ. وَقِيلَ: بَلْ هِيَ ثَلَاثَةٌ لِوَاحِدٍ، كَمَا يُوجَدُ لِبَعْضِ الْحَيَوَانَاتِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْأَجْنِحَةِ مَا وُضِعَتْ لَهُ فِي اللُّغَةِ.

وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيُّ: يُزِيلُ بَحْثَهُ فِي قَوْلِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، وَهُوَ الَّذِي حَكَيْنَا عَنْهُ أَنَّ قَوْلَهُ: جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ، أَقَلُّ مَا يَكُونُ لِذِي الْجَنَاحِ، إِشَارَةً إِلَى الْجِهَةِ، وَبَيَانُهُ أَنَّ اللَّهَ لَيْسَ شَيْءٌ فَوْقَهُ، وَكُلُّ شَيْءٍ تَحْتَ قُدْرَتِهِ وَنِعْمَتِهِ، وَالْمَلَائِكَةُ لَهُمْ وَجْهٌ إِلَى اللَّهِ يَأْخُذُونَ مِنْهُ نِعَمَهُ وَيُعْطُونَ مَنْ دُونَهُمْ مِمَّا أَخَذُوهُ بِإِذْنِ اللَّهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ «١» ، وَقَوْلُهُ: عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى «٢» ، وَقَالَ تَعَالَى فِي حَقِّهِمْ: فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً «٣» ، فَهُمَا جَنَاحَانِ، وَفِيهِمْ مَنْ يَفْعَلَ مَا يَفْعَلُ مِنَ الْخَيْرِ بِوَاسِطَةٍ، وَفِيهِمْ مَنْ يَفْعَلُهُ لَا بِوَاسِطَةٍ. فَالْفَاعِلُ بِوَاسِطَةٍ فِيهِمْ مَنْ لَهُ ثَلَاثُ جِهَاتٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَهُ أَرْبَعُ جِهَاتٍ وَأَكْثَرُ.

انْتَهَى. وَبَحْثُهُ فِي هَذِهِ، وَفِي فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بَحْثٌ عَجِيبٌ، وَلَيْسَ عَلَى طَرِيقَةِ فَهْمِ الْعَرَبِ مِنْ مَدْلُولَاتِ الْأَلْفَاظِ الَّتِي حَمَّلَهَا مَا حَمَّلَ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَثْنَى وَمَا بَعْدَهُ مِنْ صِفَاتِ الْأَجْنِحَةِ، وَقِيلَ: أُولِي أَجْنِحَةٍ مُعْتَرِضٌ، ومَثْنى حَالٌ، وَالْعَامِلُ فِعْلٌ مَحْذُوفٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ رُسُلًا، أَيْ يُرْسَلُونَ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ. قِيلَ: وَإِنَّمَا جَعَلَهُمْ أُولِي أَجْنِحَةٍ، لِأَنَّهُ لَمَّا جَعَلَهُمْ رُسُلًا، جَعَلَ لَهُمْ أَجْنِحَةً لِيَكُونَ أَسْرَعَ لِنَفَادِ الْأَمْرِ وَسُرْعَةِ إِنْفَاذِ الْقَضَاءِ. فَإِنَّ الْمَسَافَةَ الَّتِي بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا تُقْطَعُ بِالْأَقْدَامِ إِلَّا فِي سِنِينَ، فَجُعِلَتْ لَهُمُ الْأَجْنِحَةُ حَتَّى يَنَالُوا الْمَكَانَ الْبَعِيدَ فِي الْوَقْتِ الْقَرِيبِ كالطير.


(١) سورة الشعراء: ٢٦/ ١٩٣- ١٩٤.
(٢) سورة النجم: ٥٣/ ٥.
(٣) سورة النازعات: ٧٩/ ٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>