للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ «١» ، وَهُوَ مُبْتَدَأٌ، ويبور خَبَرُهُ، وَالْجُمْلَةُ خَبَرٌ عَنْ قَوْلِهِ:

وَمَكْرُ أُولئِكَ. وَأَجَازَ الْحَوْفِيُّ وَأَبُو الْبَقَاءِ أَنْ يَكُونَ هُوَ فَاصِلَةً، وَيَبُورُ خَبَرٌ، وَمَكْرُ أُولَئِكَ وَالْفَاصِلَةُ لا يَكُونُ مَا بَعْدَهَا فِعْلًا، وَلَمْ يَذْهَبْ إِلَى ذَلِكَ أَحَدٌ فِيمَا عَلِمْنَاهُ إِلَّا عَبْدُ الْقَاهِرِ الْجُرْجَانِيُّ فِي شَرْحِ الْإِيضَاحِ لَهُ فَإِنَّهُ أَجَازَ فِي كَانَ زَيْدٌ هُوَ يَقُومُ أَنْ يَكُونَ هُوَ فَصْلًا وَرُدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ.

وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ: مِنْ حَيْثُ خَلَقَ أَبِينَا آدَمَ. ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ: أَيْ بِالتَّنَاسُلِ. ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْواجاً: أَيْ أَصْنَافًا ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا، كَمَا قَالَ: أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَإِناثاً «٢» . وَقَالَ قَتَادَةُ: قَدَّرَ بَيْنَكُمُ الزَّوْجِيَّةَ، وَزَوَّجَ بَعْضَكُمْ بَعْضًا، وَمِنْ فِي مِنْ مُعَمَّرٍ زَائِدَةٌ، وَسَمَّاهُ بِمَا يَؤُولُ إِلَيْهِ، وَهُوَ الطَّوِيلُ الْعُمُرِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي مِنْ عُمُرِهِ عَائِدٌ عَلَى مُعَمَّرٍ لَفْظًا وَمَعْنًى. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ: يَعُودُ عَلَى مُعَمَّرٍ الَّذِي هُوَ اسْمُ جِنْسٍ، وَالْمُرَادُ غَيْرُ الَّذِي يُعَمَّرُ، فَالْقَوْلُ تَضَمَّنَ شَخْصَيْنِ: يُعَمَّرُ أَحَدُهُمَا مِائَةَ سَنَةٍ، وَيُنْقَصُ مِنَ الْآخَرِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَيْضًا، وَابْنُ جُبَيْرٍ، وَأَبُو مَالِكٍ: الْمُرَادُ شَخْصٌ وَاحِدٌ، أَيْ يُحْصِي مَا مَضَى مِنْهُ إِذْ مَرَّ حَوْلٌ كَتَبَ ذَلِكَ ثُمَّ حَوْلٌ، فَهَذَا هُوَ النَّقْصُ، وَقَالَ الشَّاعِرُ:

حَيَاتُكَ أَنْفَاسٌ تُعَدُّ فَكُلَّمَا ... مَضَى نَفَسٌ مِنْكَ انْتَقَصْتَ بِهِ جُزْءَا

وَقَالَ كَعْبُ الْأَحْبَارِ: مَعْنَى وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ: لَا يَخْتَرِمُ بِسَبَبِهِ قُدَرَةُ اللَّهِ، وَلَوْ شَاءَ لَأَخَّرَ ذَلِكَ السَّبَبَ. وَرُوِيَ أَنَّهُ قَالَ، لَمَّا طُعِنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَوْ دَعَا اللَّهَ لَزَادَ فِي أَجَلِهِ، فَأَنْكَرَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَقَالُوا: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ «٣» ، فَاحْتُجَّ بِهَذِهِ الْآيَةَ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَهُوَ قول ضَعِيفٌ مَرْدُودٌ يَقْتَضِي الْقَوْلَ بِالْأَجَلَيْنِ، وَبِنَحْوِهِ تَمَسَّكَ الْمُعْتَزِلَةُ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: وَلَا يُنْقَصُ، مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ. وَقَرَأَ يَعْقُوبُ، وَسَلَّامٌ، وَعَبْدُ الْوَارِثِ، وَهَارُونُ، كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي عَمْرٍو: وَلَا يَنْقُصُ، مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ. وَقَرَأَ الْحَسَنُ: مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتابٍ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ.

وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: يَجُوزُ أَنْ يراد كتاب اللَّهِ عِلْمُ اللَّهِ، أَوْ صَحِيفَةُ الْإِنْسَانِ. انْتَهَى.

وَما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ: هَذِهِ آيَةٌ أُخْرَى يُسْتَدَلُّ بِهَا عَلَى كُلِّ عَاقِلٍ أَنَّهُ مِمَّا لَا مَدْخَلَ لِصَنَمٍ فِيهِ. وَتَقَدَّمَ شَرْحُ: هَذَا عَذْبٌ فُراتٌ، وَشَرْحُ: وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ في سورة


(١) هذه السورة آية رقم ٤٣.
(٢) سورة الشورى: ٤٢/ ٥٠.
(٣) سورة الأعراف: ٧/ ٣٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>