للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدَّاعِي ذَا قُرْبَى مِنَ الْمَدْعُوِّ، فَإِنَّ الْمَدْعُوَّ لَا يَحْمِلُ مِنْهُ شَيْئًا. وَذُكِرَ الضَّمِيرُ حَمْلًا عَلَى الْمَعْنَى، لِأَنَّ قَوْلَهُ: مُثْقَلَةٌ، لَا يُرِيدُ بِهِ مُؤَنَّثَ الْمَعْنَى فَقَطْ، بَلْ كُلَّ شَخْصٍ، فَكَأَنَّهُ قِيلَ:

وَإِنْ تَدْعُ شخصا مثقلا. وقرىء: وَلَوْ كَانَ ذُو قُرْبَى، عَلَى أَنَّ كَانَ تَامَّةٌ، أي ولو حضر إذا ذَاكَ ذُو قُرْبَى وَدَعَتْهُ، لَمْ يَحْمِلْ مِنْهُ شَيْئًا. وَقَالَتِ الْعَرَبُ: قَدْ كَانَ لَبَنٌ، أَيْ حَضَرَ وَحَدَثَ.

وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: نَظْمُ الْكَلَامِ أَحْسَنُ مُلَاءَمَةً لِلنَّاقِصَةِ، لِأَنَّ الْمَعْنَى: عَلَى أَنَّ الْمُثْقَلَةَ إِذَا دَعَتْ أَحَدًا إِلَى حملها لا يحمل منه، وَإِنْ كَانَ مَدْعُوُّهَا ذَا قُرْبَى، وَهُوَ مَعْنَى صَحِيحٌ مُلْتَئِمٌ.

وَلَوْ قُلْتَ: وَلَوْ وُجِدَ ذُو قُرْبَى، لَتَفَكَّكَ وَخَرَجَ عَنِ اتِّسَاقِهِ وَالْتِئَامِهِ. انْتَهَى. وَهُوَ نَسَقٌ مُلْتَئِمٌ عَلَى التَّقْدِيرِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، وَتَفْسِيرُهُ كَانَ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ لِلْفَاعِلِ، يُؤْخَذُ الْمَبْنِيُّ لِلْمَفْعُولِ تَفْسِيرَ مَعْنًى، وَلَيْسَ مُرَادِفًا وَمُرَادِفُهُ، حَدَثَ أَوْ حَضَرَ أَوْ وَقَعَ، هَكَذَا فَسَّرَهُ النُّحَاةُ.

وَلَمَّا سَبَقَ مَا تَضَمَّنَ الْوَعِيدَ وَبَعْضَ أَهْوَالِ الْقِيَامَةِ، كَانَ ذَلِكَ إِنْذَارًا، فَذَكَرَ أَنَّ الْإِنْذَارَ إِنَّمَا يُجْدِي وَيَنْفَعُ مَنْ يَخْشَى اللَّهَ. بِالْغَيْبِ: حَالٌ مِنَ الْفَاعِلِ أَوِ الْمَفْعُولِ، أَيْ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ غَافِلِينَ عَنْ عَذَابِهِ، أَوْ يَخْشَوْنَ عَذَابَهُ غَائِبًا عَنْهُمْ. وَقِيلَ: بِالْغَيْبِ فِي السِّرِّ، وَقِيلَ:

بِالْغَيْبِ، أَيْ وَهُوَ بِحَالِ غَيْبِهِ عَنْهُمْ إِنَّمَا هِيَ رِسَالَةٌ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: وَمَنْ تَزَكَّى، فِعْلًا مَاضِيًا، فَإِنَّما يَتَزَكَّى: فِعْلًا، مُضَارِعُ تَزَكَّى، أَيْ وَمَنْ تَطَهَّرَ بِفِعْلِ الطَّاعَاتِ وَتَرْكِ الْمَعَاصِي، فَإِنَّمَا ثَمَرَةُ ذَلِكَ عَائِدَةٌ عَلَيْهِ، وَهُوَ إِنَّمَا زَكَاتُهُ لِنَفْسِهِ لَا لِغَيْرِهِ، وَالتَّزَكِّي شَامِلٌ لِلْخَشْيَةِ وَإِقَامَةِ الصَّلَاةِ. وَقَرَأَ الْعَبَّاسُ عَنْ أَبِي عَمْرٍو: وَمَنْ يَزَّكَّى فَإِنَّمَا يَزَّكَّى، بِالْيَاءِ مِنْ تَحْتٍ وَشَدِّ الزَّايِ فِيهِمَا، وَهُمَا مُضَارِعَانِ أَصْلُهُمَا وَمَنْ يَتَزَكَّى، أُدْغِمَتِ التَّاءُ فِي الزَّايِ، كَمَا أُدْغِمَتْ فِي الذَّالِ فِي قَوْلِهِ: يَذَّكَّرُونَ «١» . وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَطَلْحَةُ: وَمَنِ ازَّكَّى، بِإِدْغَامِ التَّاءِ فِي الزَّايِ. وَاجْتِلَابِ هَمْزَةِ الْوَصْلِ فِي الِابْتِدَاءِ وَطَلْحَةُ أَيْضًا: فَإِنَّمَا يَزَّكَّى، بِإِدْغَامِ التَّاءِ فِي الزَّايِ. وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ: وَعْدٌ لِمَنْ يَزَّكَّى بِالثَّوَابِ.

وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ الْآيَةَ: هِيَ طَعْنٌ عَلَى الْكَفَرَةِ وَتَمْثِيلٌ. فَالْأَعْمَى الْكَافِرُ، وَالْبَصِيرُ الْمُؤْمِنُ، أَوِ الْأَعْمَى الصَّنَمُ، وَالْبَصِيرُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَعَلَا، أَيْ لَا يَسْتَوِي مَعْبُودُهُمْ وَمَعْبُودُ الْمُؤْمِنِينَ. وَالظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ، وَالظِّلُّ وَالْحَرُورُ: تَمْثِيلٌ لِلْحَقِّ وَالْبَاطِلِ وَمَا يُؤَدِّيَانِ إِلَيْهِ مِنَ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ. وَالْأَحْيَاءُ وَالْأَمْوَاتُ، تَمْثِيلٌ لِمَنْ دَخَلَ فِي الْإِسْلَامِ وَمَنْ لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ. وَالْحَرُورُ: شِدَّةُ حَرِّ الشَّمْسِ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَالْحَرُورُ: السَّمُومُ، إِلَّا أَنَّ السَّمُومَ تَكُونُ بِالنَّهَارِ، وَالْحَرُورُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَقِيلَ: بِاللَّيْلِ. انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: قال


(١) سورة الأنعام: ٦/ ١٢٦ وغيرها من السور.

<<  <  ج: ص:  >  >>