للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَأَحْرَزَ الْمَعْنَى، وَنَكَبَ عَنْ نِدَاءِ هُنَيْدَةَ مَالَكَ. انْتَهَى كَلَامُهُ، وَهُوَ تَخْرِيجٌ حَسَنٌ، وَيَكُونُ إِذْ ذَاكَ الْجُمْلَةُ الشَّرْطِيَّةٌ مَعْمُولَةً لِلَّفْظِ: قُلْ، لَا لِقَوْلٍ: مُضْمَرٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْكَلَامِ بِإِذْنِ اللَّهِ: أَيْ بِأَمْرِ اللَّهِ، اخْتَارَهُ فِي الْمُنْتَخَبِ وَمِنْهُ: لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ «١» ، مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ»

. وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي: وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ «٣» ، أَوْ بِعِلْمِهِ وَتَمْكِينِهِ إِيَّاهُ مِنْ هَذِهِ الْمَنْزِلَةِ، قَالَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ أَوْ بِاخْتِيَارِهِ، قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، أَوْ بِتَيْسِيرِهِ وَتَسْهِيلِهِ، قَالَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ. مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ: انْتِصَابُ مُصَدِّقًا عَلَى الْحَالِ مِنَ الضَّمِيرِ الْمَنْصُوبِ فِي نَزَّلَهُ، إِنْ كَانَ يَعُودُ عَلَى الْقُرْآنِ، وَإِنْ عَادَ عَلَى جِبْرِيلَ فَيَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ الْمَجْرُورِ الْمَحْذُوفِ لِفَهْمِ الْمَعْنَى، لِأَنَّ الْمَعْنَى: فَإِنَّ اللَّهَ نَزَّلَ جِبْرِيلَ بِالْقُرْآنِ مُصَدِّقًا. وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنْ جِبْرِيلَ. وَمَا: فِي لِمَا مَوْصُولَةٌ، وَعَنَى بِهَا الْكُتُبَ الَّتِي أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى الْأُمَمِ قَبْلَ إِنْزَالِهِ، أَوِ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ. وَالْهَاءُ: فِي بَيْنَ يَدَيْهِ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ عَائِدَةً عَلَى الْقُرْآنِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَعُودَ عَلَى جِبْرِيلَ. فَالْمَعْنَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الرُّسُلِ وَالْكُتُبِ.

وَهُدىً وَبُشْرى: مَعْطُوفَانِ عَلَى مُصَدِّقًا، فَهُمَا حَالَانِ، فَيَكُونُ مِنْ وَضْعِ الْمَصْدَرِ مَوْضِعَ اسْمِ الْفَاعِلِ كَأَنَّهُ قَالَ: وَهَادِيًا وَمُبَشِّرًا، أَوْ مِنْ بَابِ الْمُبَالَغَةِ، كَأَنَّهُ لَمَّا حَصَلَ بِهِ الْهُدَى وَالْبُشْرَى، جُعِلَ نَفْسَ الْهُدَى وَالْبُشْرَى. وَالْأَلِفُ فِي بُشْرَى لِلتَّأْنِيثِ، كَهِيَ فِي رُجْعَى، وَهُوَ مَصْدَرٌ. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى الْمَعْنَى فِي قَوْلِهِ: وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا «٤» فِي أَوَائِلِ هَذِهِ السُّورَةِ، وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ وَصَفَ الْقُرْآنَ بِتَصْدِيقِهِ لِمَا تَقَدَّمَهُ مِنَ الْكُتُبِ الْإِلَهِيَّةِ، وَأَنَّهُ هُدًى، إِذْ فِيهِ بَيَانُ مَا وَقَعَ التَّكْلِيفُ بِهِ مِنْ أَعْمَالِ الْقُلُوبِ وَالْجَوَارِحِ، وَأَنَّهُ بُشْرَى لِمَنْ حَصَلَ لَهُ الْهُدَى. فَصَارَ هَذَا التَّرْتِيبُ اللَّفْظِيُّ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ، لِكَوْنِ مَدْلُولَاتِهَا تَرَتَّبَتْ تَرْتِيبًا وُجُودِيًّا. فَالْأَوَّلُ: كَوْنُهُ مُصَدِّقًا لِلْكُتُبِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْكُتُبَ كُلَّهَا مِنْ يَنْبُوعٍ وَاحِدٍ. وَالثَّانِي:

أَنَّ الْهِدَايَةَ حَصَلَتْ بِهِ بَعْدَ نُزُولِهِ عَلَى هَذِهِ الْحَالِ مِنَ التَّصْدِيقِ. وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ بُشْرَى لِمَنْ حَصَلَتْ لَهُ بِهِ الْهِدَايَةُ. وَقَالَ الرَّاغِبُ: وَهُدًى مِنَ الضَّلَالَةِ وَبُشْرَى بِالْجَنَّةِ. لِلْمُؤْمِنِينَ:

خَصَّ الْهُدَى وَالْبُشْرَى بِالْمُؤْمِنِينَ، لِأَنَّ غَيْرَ الْمُؤْمِنِينَ لَا يَكُونُ لَهُمْ هُدًى بِهِ وَلَا بُشْرَى، كَمَا قَالَ: وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى «٥» ، وَلِأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ هُمُ الْمُبَشَّرُونَ، فَبَشِّرْ عِبادِ «٦» ،


(١) سورة هود: ١١/ ١٠٥.
(٢) سورة البقرة: ٢/ ٢٥٥.
(٣) سورة مريم: ١٩/ ٦٤.
(٤) سورة البقرة: ٢/ ٢٥.
(٥) سورة فصلت: ٤١/ ٤٤.
(٦) سورة الزمر: ٣٩/ ١٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>