وقرىء: مِنَ الْمُكَرَّمِينَ، مُشَدَّدَ الرَّاءِ مَفْتُوحَ الْكَافِ وَالْجُمْهُورُ: بِإِسْكَانِ الْكَافِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ.
وَما أَنْزَلْنا عَلى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّماءِ وَما كُنَّا مُنْزِلِينَ، إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ خامِدُونَ، يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ، وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ، وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْناها وَأَخْرَجْنا مِنْها حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ، وَجَعَلْنا فِيها جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ وَفَجَّرْنا فِيها مِنَ الْعُيُونِ، لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلا يَشْكُرُونَ، سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ، وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ، وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ، وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ، لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ، وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ، وَخَلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ، وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلا صَرِيخَ لَهُمْ وَلا هُمْ يُنْقَذُونَ، إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا وَمَتاعاً إِلى حِينٍ.
أَخْبَرَ تَعَالَى بِإِهْلَاكِ قَوْمِ حَبِيبٍ بِصَيْحَةٍ وَاحِدَةٍ صَاحَ بِهِمْ جِبْرِيلُ، وَفِي ذَلِكَ تَوَعُّدٌ لِقُرَيْشٍ أَنْ يُصِيبَهُمْ مَا أَصَابَهُمْ، إِذْ هُمُ الْمَضْرُوبُ لَهُمُ الْمَثَلُ. وَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُ لَمْ يُنْزِلْ عَلَيْهِمْ لِإِهْلَاكِهِمْ جُنْدًا مِنَ السَّمَاءِ، كَالْحِجَارَةِ وَالرِّيحِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَكَانُوا أَهْوَنَ عَلَيْهِ.
وَقَوْلُهُ: مِنْ بَعْدِهِ، يَدُلُّ عَلَى ابْتِدَاءِ الْغَايَةِ، أَيْ لَمْ يُرْسِلْ إِلَيْهِمْ رَسُولًا، وَلَا عَاتَبَهُمْ بَعْدَ قَتْلِهِ، بَلْ عَاجَلَهُمْ بِالْهَلَاكِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا فِي قَوْلِهِ: وَما كُنَّا مُنْزِلِينَ نَافِيَةٌ، فَالْمَعْنَى قَرِيبٌ مِنْ مَعْنَى الْجُمْلَةِ قَبْلَهَا، أَيْ وَمَا كَانَ يَصِحُّ فِي حُكْمِنَا أَنْ نُنْزِلَ فِي إِهْلَاكِهِمْ جُنْدًا مِنَ السَّمَاءِ، لِأَنَّهُ تَعَالَى أَجْرَى هَلَاكَ كُلِّ قَوْمٍ عَلَى بَعْضِ الْوُجُوهِ دُونَ بَعْضٍ، كَمَا قَالَ: فَكُلًّا أَخَذْنا بِذَنْبِهِ «١» الْآيَةَ. وَقَالَتْ فِرْقَةٌ: مَا اسْمٌ مَعْطُوفٌ عَلَى جُنْدٍ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: أَيْ مِنْ جُنْدٍ وَمِنَ الَّذِي كُنَّا مُنْزِلِينَ عَلَى الْأُمَمِ مِثْلِهِمْ. انْتَهَى، وَهُوَ تَقْدِيرٌ لَا يَصِحُّ، لِأَنَّ مِنْ فِي مِنْ جُنْدٍ زَائِدَةٌ. وَمَذْهَبُ الْبَصْرِيِّينَ غَيْرُ الْأَخْفَشِ أَنَّ لِزِيَادَتِهَا شَرْطَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ قَبْلَهَا نَفْيٌ، أَوْ نَهْيٌ، أَوِ اسْتِفْهَامٌ. وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ بَعْدَهَا نَكِرَةٌ، وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْطُوفُ عَلَى النَّكِرَةِ مَعْرِفَةً. لَا يَجُوزُ: مَا ضَرَبْتُ مِنْ رَجُلٍ وَلَا زَيْدٍ، وَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ:
(١) سورة العنكبوت: ٢٩/ ٤٠.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute