وَقَوْلُهُمْ فِي الْجُمْلَتَيْنِ تَجُوزُ، لِأَنَّ أَنَّهُمْ وَمَا بَعْدَهُ لَيْسَ بِجُمْلَةٍ، وَلَمْ يُبَيِّنْ كَيْفِيَّةَ هَذَا الْعَمَلِ.
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: أَلَمْ يَرَوْا: أَلَمْ يَعْلَمُوا، وَهُوَ مُعَلَّقٌ عَنِ الْعَمَلِ فِي كَمْ، لِأَنَّ كَمْ لَا يَعْمَلُ فِيهَا عَامِلٌ قَبْلَهَا كَانَتْ لِلِاسْتِفْهَامِ أَوْ لِلْخَبَرِ، لِأَنَّ أَصْلَهَا الِاسْتِفْهَامُ، إِلَّا أَنَّ مَعْنَاهَا نَافِذٌ فِي الْجُمْلَةِ، كَمَا نَفَذَ فِي قَوْلِكَ: أَلَمْ يَرَوْا أَنَّ زَيْدًا لَمُنْطَلِقٌ؟ وَإِنْ لَمْ تَعْمَلْ فِي لفظه.
وأَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ بَدَلٌ مِنْ أَهْلَكْنا عَلَى الْمَعْنَى لَا عَلَى اللَّفْظِ تَقْدِيرُهُ: أَلَمْ يَرَوْا كَثْرَةَ إِهْلَاكِنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَوْنَهُمْ غَيْرَ رَاجِعِينَ إِلَيْهِمْ؟ انْتَهَى. فَجَعَلَ يَرَوْا بِمَعْنَى يَعْلَمُوا، وَعَلَّقَهَا عَلَى الْعَمَلِ فِي كَمْ. وَقَوْلُهُ: لِأَنَّ كَمْ لَا يَعْمَلُ فِيهَا مَا قَبْلَهَا، كَانَتْ لِلِاسْتِفْهَامِ أَوْ لِلْخَبَرِ، وَهَذَا لَيْسَ عَلَى إِطْلَاقِهِ، لِأَنَّ الْعَامِلَ إِذَا كَانَ حَرْفَ جَرٍّ أَوِ اسْمًا مُضَافًا جَازَ أَنْ يَعْمَلَ فِيهَا، نَحْوُ كَمْ عَلَى: كَمْ جِذْعٍ بَيْتُكَ؟ وَأَيْنَ: كَمْ رَئِيسٍ صَحِبْتَ؟ وَعَلَى: كَمْ فَقِيرٍ تَصَدَّقْتَ؟ أَرْجُو الثَّوَابَ، وَأَيْنَ: كَمْ شَهِيدٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَحْسَنْتَ إِلَيْهِ؟ وَقَوْلُهُ: أَوْ لِلْخَبَرِ الْخَبَرِيَّةُ فِيهَا لُغَتَانِ: الْفَصِيحَةُ كَمَا ذَكَرَ لَا يَتَقَدَّمُهَا عَامِلٌ إِلَّا مَا ذَكَرْنَا مِنَ الْجَارِ وَاللُّغَةِ الْأُخْرَى، حَكَاهَا الْأَخْفَشُ يَقُولُونَ فِيهَا: مَلَكْتَ كَمْ غُلَامٍ؟ أَيْ مَلَكْتَ كَثِيرًا مِنَ الْغِلْمَانِ.
فَكَمَا يَجُوزُ أَنْ يَتَقَدَّمَ الْعَامِلُ عَلَى كَثِيرٍ، كَذَلِكَ يَجُوزُ أَنْ يَتَقَدَّمَ عَلَى كَمْ لِأَنَّهَا بِمَعْنَاهَا.
وَقَوْلُهُ: لِأَنَّ أَصْلَهَا الِاسْتِفْهَامُ، لَيْسَ أَصْلُهَا الِاسْتِفْهَامَ، بَلْ كُلُّ وَاحِدَةٍ أَصْلٌ فِي بَابِهَا، لَكِنَّهَا لَفْظٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الِاسْتِفْهَامِ وَالْخَبَرِ. وَقَوْلُهُ: إِلَّا أَنَّ مَعْنَاهَا نَافِذٌ فِي الْجُمْلَةِ، يَعْنِي مَعْنَى يَرَوْا نَافِذٌ فِي الْجُمْلَةِ، لأن جَعَلَهَا مُعَلَّقَةً، وَشَرَحَ يَرَوْا بِيَعْلَمُوا. وَقَوْلُهُ: كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِكَ: أَلَمْ يَرَوْا أَنَّ زَيْدًا لَمُنْطَلِقٌ؟ فَإِنَّ زيد المنطلق مَعْمُولٌ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى لِيَرَوْا، وَلَوْ كَانَ عَامِلًا مِنْ حَيْثُ اللَّفْظُ لَمْ تَدْخُلِ اللَّامُ، وَكَانَتْ أَنَّ مَفْتُوحَةً، فَأَنَّ وَفِي خَبَرِهَا اللَّامُ مِنَ الْأَدَوَاتِ الَّتِي تُعَلِّقُ أَفْعَالَ الْقُلُوبِ. وَقَوْلُهُ: وأَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ إِلَى آخِرِ كَلَامِهِ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ بَدَلًا، لَا عَلَى اللَّفْظِ وَلَا عَلَى الْمَعْنَى. أَمَّا عَلَى اللَّفْظِ فَإِنَّهُ زَعَمَ أَنَّ يَرَوْا مُعَلَّقَةٌ، فَيَكُونُ كَمِ اسْتِفْهَامًا، وَهُوَ مَعْمُولٌ لَأَهْلَكْنَا، وَأَهْلَكْنَا لَا يَتَسَلَّطُ عَلَى أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ، وَتَقَدَّمَ لَنَا ذَلِكَ. وَأَمَّا عَلَى الْمَعْنَى، فَلَا يَصِحُّ أَيْضًا، لِأَنَّهُ قَالَ تَقْدِيرُهُ، أَيْ عَلَى الْمَعْنَى: أَلَمْ يَرَوْا كَثْرَةَ إِهْلَاكِنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَوْنَهُمْ غَيْرَ رَاجِعِينَ إِلَيْهِمْ؟ فَكَوْنُهُمْ غَيْرَ كَذَا لَيْسَ كَثْرَةَ الْإِهْلَاكِ، فَلَا يَكُونَ بَدَلَ كُلٍّ مِنْ كل، وَلَا بَعْضًا مِنَ الْإِهْلَاكِ، وَلَا يَكُونَ بَدَلَ بَعْضٍ مِنْ كُلٍّ، وَلَا يَكُونُ بَدَلَ اشْتِمَالٍ، لِأَنَّ بَدَلَ الِاشْتِمَالِ يَصِحُّ أَنْ يُضَافَ إِلَى مَا أُبْدِلَ مِنْهُ، وَكَذَلِكَ بَدَلُ بَعْضٍ مِنْ كُلٍّ، وَهَذَا لَا يَصِحُّ هُنَا. لَا تَقُولُ: أَلَمْ يَرَوُا انْتِفَاءَ رُجُوعِ كَثْرَةِ إِهْلَاكِنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِهِمْ، وَفِي بَدَلِ الِاشْتِمَالِ نَحْوُ: أَعْجَبَنِي الْجَارِيَةُ مَلَاحَتُهَا، وَسُرِقَ زَيْدٌ ثَوْبُهُ، يَصِحُّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute