عَلَى النَّخِيلِ، وَاكْتَفَى بِهِ لِلْعِلْمِ فِي اشْتِرَاكِ الْأَعْيَانِ فِيمَا عُلِّقَ بِهِ النَّخِيلُ مِنْ أَكْلِ ثَمَرِهِ، أَوْ يُرَادُ مِنْ ثَمَرِ الْمَذْكُورِ، وَهُوَ الْجَنَّاتُ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
فِيهَا خُطُوطٌ مِنْ سَوَادٍ وَبَلَقْ ... كَأَنَّهُ فِي الْجِلْدِ تَوْلِيعُ الْبَهَقْ
فَقِيلَ لَهُ: كَيْفَ قُلْتَ بِعُيُونٍ، كَأَنَّهُ وَالَّذِي تَقَدَّمَ خُطُوطٌ؟ فَقَالَ أَرْتٌ: كَانَ ذَاكَ. وَقِيلَ:
عَائِدٌ إِلَى التَّفْجِيرِ الدَّالِّ عَلَيْهِ وَفَجَّرْنَا الْآيَةَ أَقْرَبُ مَذْكُورٍ، وَعَنَى بِثَمَرَهِ: فَوَائِدَهُ، كَمَا تَقُولُ:
ثَمَرَةُ التِّجَارَةِ الرِّبْحُ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَأَصْلُهُ مِنْ ثَمَرِنَا، كَمَا قَالَ: وَجَعَلْنا، وَفَجَّرْنا، فَنَقَلَ الْكَلَامَ مِنَ التَّكَلُّمِ إِلَى الْغَيْبَةِ عَلَى طَرِيقِ الِالْتِفَاتِ، وَالْمَعْنَى: لِيَأْكُلُوا مِمَّا خَلَقَهُ اللَّهُ مِنَ الثَّمَرِ، وَمِمَّا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ مِنَ الْغَرْسِ وَالسَّقْيِ وَالْآبَارِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَعْمَالِ إِلَى أَنْ بَلَغَ الثَّمَرُ مُنْتَهَاهُ، وَبَانَ أُكُلُهُ يَعْنِي أَنَّ الثَّمَرَ فِي نَفْسِهِ فِعْلُ اللَّهِ وَخَلْقُهُ، وَفِيهِ آثَارٌ مِنْ كَدِّ بَنِي آدَمَ. وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَا نَافِيَةً، عَلَى أَنَّ الثَّمَرَ خَلْقُ الله، ولم تعمله أيديه النَّاسِ، وَلَا يَقْدِرُونَ عَلَى خَلْقِهِ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: وَما عَمِلَتْهُ بِالضَّمِيرِ، فَإِنْ كَانَتْ مَا مَوْصُولَةً فَالضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَيْهَا، وَإِنْ كَانَتْ نَافِيَةً فَالضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى الثَّمَرِ. وَقَرَأَ طَلْحَةُ، وَعِيسَى، وَحَمْزَةُ، وَالْكِسَائِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ: بِغَيْرِ ضَمِيرٍ مَفْعُولُ عَمِلَتْ عَلَى التقديرين محذوفة، وَجُوِّزَ فِي هَذِهِ الْقِرَاءَةِ أَنْ تَكُونَ مَا مَصْدَرِيَّةً، أَيْ وَعَمَلِ أَيْدِيهِمْ، وَهُوَ مَصْدَرٌ أُرِيدَ بِهِ الْمَعْمُولُ، فَيَعُودُ إِلَى مَعْنَى الْمَوْصُولِ.
وَلَمَّا عَدَّدَ تَعَالَى هَذِهِ النِّعَمَ، حَضَّ عَلَى الشُّكْرِ فَقَالَ أَفَلا يَشْكُرُونَ، ثُمَّ نَزَّهَ تَعَالَى نَفْسَهُ عن كُلِّ مَا يُلْحِدُ بِهِ مُلْحِدٌ، أَوْ يُشْرِكُ بِهِ مُشْرِكٌ، فَذَكَرَ إِنْشَاءَ الْأَزْوَاجِ، وَهِيَ الْأَنْوَاعُ مِنْ جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ، مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ: مِنْ النَّخْلِ وَالشَّجَرِ وَالزَّرْعِ وَالثَّمَرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَكُلُّ صِنْفٍ زَوْجٌ مُخْتَلِفٌ لَوْنًا وطمعا وَشَكْلًا وَصِغَرًا وَكِبَرًا، وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ: ذُكُورًا وَإِنَاثًا، وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ: أَيْ وَأَنْوَاعًا مِمَّا لَا يَعْلَمُونَ، أُعْلِمُوا بِوُجُودِهِ وَلَمْ يَعْلَمُوا مَا هُوَ، إِذْ لَا يَتَعَلَّقُ عِلْمُهُمْ بِمَاهِيَّتِهِ، أَمْرٌ مُحْتَاجٌ إِلَيْهِ فِي دِينٍ وَلَا دُنْيَا. وَفِي إِعْلَامِهِ بِكَثْرَةِ مَخْلُوقَاتِهِ دَلِيلٌ عَلَى اتِّسَاعِ ملكه وعظم قدرته.
ولكا ذَكَرَ تَعَالَى الِاسْتِدْلَالَ بِأَحْوَالِ الْأَرْضِ، وَهِيَ الْمَكَانُ الْكُلِّيُّ، ذَكَرَ الِاسْتِدْلَالَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَهُوَ الزَّمَانُ الْكُلِّيُّ وَبَيْنَهُمَا مُنَاسَبَةٌ، لِأَنَّ الْمَكَانَ لَا تَسْتَغْنِي عَنْهُ الْجَوَاهِرُ، وَالزَّمَانَ لَا تَسْتَغْنِي عَنْهُ الْأَعْرَاضُ، لِأَنَّ كُلَّ عَرَضٍ فَهُوَ فِي زَمَانٍ، وَمِثْلُهُ مَذْكُورٌ فِي قَوْلِهِ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute