للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيُّ مَا مُلَخَّصُهُ: فِي الْمُسْتَقَرِّ وُجُوهٌ فِي الزَّمَانِ وَفِي الْمَكَانِ، فَفِي الزَّمَانِ اللَّيْلُ أَوِ السَّنَةُ أَوْ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، وَفِي الْمَكَانِ غَايَةُ ارْتِفَاعِهَا فِي الصَّيْفِ وَانْخِفَاضِهَا فِي الشِّتَاءِ، وَتَجْرِي إِلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فَتَرْجِعُ، أَوْ غَايَةُ مَشَارِقِهَا، فَلَهَا فِي كُلِّ يَوْمٍ مَشْرِقٌ إِلَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ، ثُمَّ تَعُودُ عَلَى تِلْكَ الْمُقَنْطَرَاتِ وَهَذَا هُوَ مَا تَقَدَّمَ فِي الِارْتِفَاعِ. فَإِنَّ اخْتِلَافَ الْمَشَارِقِ سَبَبُ اخْتِلَافِ الِارْتِفَاعِ، أَوْ وُصُولِهَا إِلَى بَيْتِهَا فِي الْأَسَدِ، أَوِ الدَّائِرَةِ الَّتِي عَلَيْهَا حَرَكَتُهَا، حَيْثُ لَا تَمِيلُ عَنْ مِنْطَقَةِ الْبُرُوجِ عَلَى مُرُورِ الشَّمْسِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: تَجْرِي مَجْرَى مُسْتَقَرِّهَا، فَإِنَّ أَصْحَابَ الْهَيْئَةِ قَالُوا: الشَّمْسُ فِي فَلَكٍ، وَالْفَلَكُ يَدُورُ فَيُدِيرُ الشَّمْسَ، فَالشَّمْسُ تَجْرِي مَجْرَى مستقرها. انتهى. وقرىء: إِلَى مُسْتَقَرِّهَا. وَقَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَعِكْرِمَةُ، وَعَطَاءُ بْنُ رَبَاحٍ،

وَزَيْنُ الْعَابِدِينَ، وَالْبَاقِرُ، وَابْنُهُ الصَّادِقُ، وَابْنُ أَبِي عَبْدَةَ: لَا مستقر لها، نفيا مبينا عَلَى الْفَتْحِ

، فَيَقْتَضِي انْتِفَاءَ كُلِّ مُسْتَقَرٍّ وَذَلِكَ فِي الدُّنْيَا، أَيْ هِيَ تَجْرِي دَائِمًا فِيهَا، لَا تَسْتَقِرُّ إِلَّا ابْنِ أَبِي عَبْلَةَ، فَإِنَّهُ قَرَأَ بِرَفْعِ مُسْتَقَرٌّ وَتَنْوِينِهِ عَلَى إِعْمَالِهَا إِعْمَالَ لَيْسَ، نَحْوُ قَوْلِ الشَّاعِرِ:

تَعَزَّ فَلَا شَيْءٌ عَلَى الْأَرْضِ بَاقِيَا ... وَلَا وَزَرٌ مِمَّا قَضَى اللَّهُ وَاقِيَا

الْإِشَارَةُ بِذَلِكَ إِلَى جَرْيِ الشَّمْسِ: أَيْ ذَلِكَ الْجَرْيُ عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ وَالْحِسَابِ الدَّقِيقِ.

تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ: الْغَالِبُ بِقُدْرَتِهِ عَلَى كُلِّ مَقْدُورٍ، الْمُحِيطُ عِلْمًا بِكُلِّ مَعْلُومٍ. وَقَرَأَ الْحَرَمِيَّانِ، وَأَبُو عَمْرٍو، وَأَبُو جَعْفَرٍ، وَابْنُ مُحَيْصِنٍ، وَالْحَسَنُ: بِخِلَافٍ عَنْهُ. وَالْقَمَرَ:

بِالرَّفْعِ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَبَاقِي السَّبْعَةِ: بِالنَّصْبِ عَلَى الِاشْتِغَالِ. وقَدَّرْناهُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ، أَيْ قدرنا سيره، ومَنازِلَ: طرف، أَيْ مَنَازِلَهُ وَقِيلَ: قَدَّرْنَا نُورَهُ فِي مَنَازِلَ، فَيَزِيدُ مِقْدَارُ النُّورِ كُلَّ يَوْمٍ فِي الْمَنَازِلِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ وَيَنْقُصُ فِي الْمَنَازِلِ الِاسْتِقْبَالِيَّةِ. وَقِيلَ:

قَدَّرْنَاهُ: جَعَلْنَا أَنَّهُ أُجْرِيَ جَرْيُهُ عَكْسَ مَنَازِلِ أَنْوَارِ الشَّمْسِ، وَلَا يَحْتَاجَ إِلَى حَذْفِ حَرْفِ الصِّفَةِ، فَإِنَّ جِرْمَ الْقَمَرِ مُظْلِمٌ، يَنْزِلُ فِيهِ النُّورُ لِقَبُولِهِ عَكْسُ ضِيَاءِ الشَّمْسِ، مِثْلُ الْمِرْآةِ الْمَجْلُوَّةِ إِذَا قُوبِلَ بِهَا الشُّعَاعُ.

وَهَذِهِ الْمَنَازِلُ مَعْرُوفَةٌ عِنْدَ الْعَرَبِ، وَهِيَ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ مَنْزِلَةً، يَنْزِلُ الْقَمَرُ كُلَّ لَيْلَةٍ فِي وَاحِدٍ مِنْهَا، لَا يَتَخَطَّاهُ وَلَا يَتَقَاصَرُ عَنْهُ، عَلَى تَقْدِيرٍ مستولا يتفاوت، يَسِيرُ فِيهَا مِنْ لَيْلَةِ الْمُسْتَهَلِّ إِلَى الثَّامِنَةِ وَالْعِشْرِينَ، ثُمَّ يَسِيرُ لَيْلَتَيْنِ إِذَا نَقَصَ الشَّهْرُ، وَهَذِهِ الْمَنَازِلُ هِيَ مَوَاقِعُ النُّجُومِ الَّتِي نَسَبَتْ إِلَيْهَا الْعَرَبُ الْأَنْوَاءَ المستمطرة، وهي: الشرطين، الْبَطِينُ، الثُّرَيَّا، الدَّبَرَانِ، الْهَقْعَةُ، الْهَنْعَةُ، الذِّرَاعُ، النَّثْرَةُ، الطَّرْفُ، الْجَبْهَةُ، الدَّبْرَةُ، الصَّرْفَةُ، الْعَوَّاءُ،

<<  <  ج: ص:  >  >>