للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلا إِلى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ، وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ، قالُوا يَا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ، إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ، فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَلا تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ.

الضَّمِيرُ فِي لَهُمُ لِقُرَيْشٍ، وما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ، قَالَ قَتَادَةُ وَمُقَاتِلٌ: عَذَابُ الْأُمَمِ قَبْلَكُمْ، وَما خَلْفَكُمْ: عَذَابُ الْآخِرَةِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: عَكْسَهُ. وَقَالَ الْحَسَنُ:

خُوِّفُوا بِمَا مَضَى مِنْ ذُنُوبِهِمْ وَمَا يَأْتِي مِنْهَا. وَقَالَ مُجَاهِدٌ أَيْضًا، كَقَوْلِ الْحَسَنِ: مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَمَا تَأَخَّرَ، لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ. وَجَوَابُ إِذَا مَحْذُوفٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا بَعْدَهُ، أَيْ أَعْرَضُوا. وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ: أَيْ دَأْبُهُمُ الْإِعْرَاضُ عِنْدَ كُلِّ آيَةٍ تَأْتِيهِمْ. وَإِذا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا: لَمَّا أَسْلَمَ حَوَاشِي الْكُفَّارِ مِنْ أَقْرِبَائِهِمْ وَمَوَالِيهِمْ مِنَ الْمُسْتَضْعَفِينَ، قَطَعُوا عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُوَاسُونَهُمْ بِهِ، وَكَانَ ذَلِكَ بِمَكَّةَ أَوَّلًا قَبْلَ نُزُولِ آيَاتِ الْقِتَالِ، فَنَدَبَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ إِلَى صِلَةِ قُرَابَاتِهِمْ فَقَالُوا: أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ.

وَقِيلَ: سُحِقَ قُرَيْشٌ بِسَبَبِ أَذِيَّةِ الْمَسَاكِينِ مِنْ مُؤْمِنٍ وَغَيْرِهِ، فَنَدَبَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى النَّفَقَةِ عَلَيْهِمْ، فَقَالُوا هَذَا الْقَوْلَ.

وَقِيلَ:

قَالَ فُقَرَاءُ الْمُؤْمِنِينَ: أَعْطُونَا مَا زَعَمْتُمْ مِنْ أَمْوَالِكُمْ، إِنَّهَا لِلَّهِ، فَحَرَّمُوهُمْ وَقَالُوا ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِهْزَاءِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ بِمَكَّةَ زَنَادِقَةٌ، إِذَا أُمِرُوا بِالصَّدَقَةِ قَالُوا: لَا وَاللَّهِ، أَيُفْقِرُهُ الله ونطمعه نَحْنُ؟ أَوْ كَانُوا يَسْمَعُونَ الْمُؤْمِنِينَ يُعَلِّقُونَ الْأَفْعَالَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ: لَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَغْنَى فُلَانًا، وَلَوْ شَاءَ لَأَعَزَّهُ، وَلَوْ شَاءَ لَكَانَ كَذَا، فَأَخْرَجُوا هَذَا الْجَوَابَ مُخْرَجَ الِاسْتِهْزَاءِ بِالْمُؤْمِنِينَ وَبِمَا كَانُوا يَقُولُونَ. وَقَالَ الْقُشَيْرِيُّ: نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ مِنَ الزَّنَادِقَةِ لَا يُؤْمِنُونَ بِالصَّانِعِ، اسْتِهْزَاءً بِالْمُسْلِمِينَ بِهَذَا الْقَوْلِ.

وَقَالَ الْحَسَنُ: وَإِذا قِيلَ لَهُمْ، أَيِ الْيَهُودِ، أُمِرُوا بِإِطْعَامِ الْفُقَرَاءِ. وَجَوَابُ لَوْ نَشَاءُ قَوْلُهُ: أَطْعَمَهُمْ، وَوُرُودُ الْمُوجَبِ بِغَيْرِ لَامٍ فَصِيحٌ، وَمِنْهُ: أَنْ لَوْ نَشاءُ أَصَبْناهُمْ «١» ، لَوْ نَشاءُ جَعَلْناهُ أُجاجاً «٢» وَالْأَكْثَرُ مَجِيئُهُ بِاللَّامِ، والتصريخ بِالْمَوْضِعَيْنِ مِنَ الْكُفْرِ وَالْإِيمَانِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَقُولَ لَهُمْ هُمُ الْكَافِرُونَ، وَالْقَائِلُ لَهُمْ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ، وَأَنَّ كُلَّ وَصْفٍ حَامِلٌ صَاحِبَهُ عَلَى مَا صَدَرَ مِنْهُ، إِذْ كُلُّ إِنَاءٍ بِالَّذِي فِيهِ يَرْشَحُ. وَأُمِرُوا بِالْإِنْفَاقِ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ، وَهُوَ عَامٌّ فِي الْإِطْعَامِ وَغَيْرِهِ، فَأَجَابُوا بِغَايَةِ الْمُخَالَفَةِ، لِأَنَّ نَفْيَ إِطْعَامِهِمْ يَقْتَضِي نَفْيَ الإنفاق


(١) سورة الأعراف: ٧/ ١٠٠.
(٢) سورة الواقعة: ٥٦/ ٧٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>