للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَذَلِكَ قَابَلَهُ بِقَوْلِهِ: وَيَحِقَّ الْقَوْلُ: أَيْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ، عَلَى الْكافِرِينَ الْمَحْتُومِ لَهُمْ بِالْمُوَافَاةِ عَلَى الْكُفْرِ.

أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعاماً فَهُمْ لَها مالِكُونَ، وَذَلَّلْناها لَهُمْ فَمِنْها رَكُوبُهُمْ وَمِنْها يَأْكُلُونَ، وَلَهُمْ فِيها مَنافِعُ وَمَشارِبُ أَفَلا يَشْكُرُونَ، وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ، لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ، فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ، أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ، وَضَرَبَ لَنا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ، قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ، الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ، أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ، إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ، فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ.

الْإِخْبَارُ وَتَنْبِيهُ الِاسْتِفْهَامِ لِقُرَيْشٍ، وَإِعْرَاضِهَا عَنْ عِبَادَةِ اللَّهِ، وَعُكُوفِهَا عَلَى عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ. وَلَمَّا كَانَتِ الْأَشْيَاءُ الْمَصْنُوعَةُ لَا يُبَاشِرُهَا الْبَشَرُ إِلَّا بِالْيَدِ، عَبَّرَ لَهُمْ بِمَا يَقْرُبُ مِنْ أَفْهَامِهِمْ بِقَوْلِهِ: مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا: أَيْ مِمَّا تُوَلَّيْنَا عَمَلَهُ، وَلَا يُمْكِنُ لِغَيْرِنَا أَنْ يَعْمَلَهُ.

فبقدرتنا وإرادتنا بَرَزَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ، لَمْ يُشْرِكْنَا فِيهَا أَحَدٌ، وَالْبَارِي تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنِ الْيَدِ الَّتِي هِيَ الْجَارِحَةُ، وَعَنْ كُلِّ مَا اقْتَضَى التَّشْبِيهَ بِالْمُحْدَثَاتِ. وَذَكَرَ الْأَنْعَامَ لَهَا لِأَنَّهَا كَانَتْ جُلَّ أَمْوَالِهِمْ، وَنَبَّهَ عَلَى مَا يَجْعَلُ لَهُمْ مِنْ مَنَافِعِهَا. لَها مالِكُونَ: أَيْ مَلَكْنَاهَا إِيَّاهُمْ، فَهُمْ مُتَصَرِّفُونَ فِيهَا تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ، مُخْتَصُّونَ بِالِانْتِفَاعِ بِهَا، أَوْ مالِكُونَ: ضَابِطُونَ لَهَا قَاهِرُونَهَا، مِنْ قَوْلُهُ:

أَصْبَحْتُ لَا أَحْمِلُ السِّلَاحَ وَلَا ... أَمْلِكُ رَأْسَ الْبَعِيرِ إِنْ نَفَرَا

أَيْ: لَا أَضْبُطُهُ، وَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ النِّعَمِ الظَّاهِرَةِ. فَلَوْلَا تَذْلِيلُهُ تَعَالَى إِيَّاهَا وَتَسْخِيرُهُ، لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهَا. أَلَا تَرَى إِلَى مَا ندّ منها لا يكاد يقدر على رَدِّهِ؟ لِذَلِكَ أُمِرَ بِتَسْبِيحِ اللَّهِ رَاكِبُهَا، وَشُكْرِهِ عَلَى هَذِهِ النِّعْمَةِ بِقَوْلِهِ: سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هَذَا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ «١» . وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: رَكُوبُهُمْ، وَهُوَ فَعُولٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ، كَالْحَضُورِ وَالْحَلُوبِ وَالْقَذُوعِ، وَهُوَ مِمَّا لَا يَنْقَاسُ. وَقَرَأَ أُبَيٌّ، وَعَائِشَةُ: رَكُوبَتُهُمْ بِالتَّاءِ، وَهِيَ فَعُولَةٌ بِمَعْنَى مُفَعْوِلَةٍ. وَقَالَ


(١) سورة الزخرف: ٤٣/ ١٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>