للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُؤْمِنِينَ، وَما كانَ لَنا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ بَلْ كُنْتُمْ قَوْماً طاغِينَ، فَحَقَّ عَلَيْنا قَوْلُ رَبِّنا إِنَّا لَذائِقُونَ، فَأَغْوَيْناكُمْ إِنَّا كُنَّا غاوِينَ، فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ، إِنَّا كَذلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ، إِنَّهُمْ كانُوا إِذا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ، وَيَقُولُونَ أَإِنَّا لَتارِكُوا آلِهَتِنا لِشاعِرٍ مَجْنُونٍ، بَلْ جاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ، إِنَّكُمْ لَذائِقُوا الْعَذابِ الْأَلِيمِ، وَما تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ.

احْشُرُوا: خِطَابٌ مِنَ اللَّهِ لِلْمَلَائِكَةِ، أَوْ خِطَابُ الْمَلَائِكَةِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ، أَيِ اجْمَعُوا الظَّالِمِينَ وَنِسَاءَهُمُ الْكَافِرَاتِ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَرَجَّحَهُ الرُّمَّانِيُّ. وأنواعهم وضرباؤهم، قَالَهُ عُمَرُ وَابْنُ عَبَّاسٍ أَيْضًا، أَوْ أَشْبَاهُهُمْ مِنَ الْعُصَاةِ، وَأَهْلُ الزِّنَا مَعَ أَهْلِ الزِّنَا، وَأَهْلُ السَّرِقَةِ، أَوْ قُرَنَاؤُهُمُ الشَّيَاطِينُ. وَقَرَأَ عِيسَى بْنُ سُلَيْمَانَ الْحِجَازِيُّ: وَأَزْواجَهُمْ، مَرْفُوعًا عَطْفًا عَلَى ضَمِيرِ ظَلَمُوا، أَيْ وَظَلَمَ أَزْوَاجُهُمْ. فَاهْدُوهُمْ: أَيْ عَرِّفُوهُمْ وَقُودُوهُمْ إِلَى طَرِيقِ النَّارِ حَتَّى يَصْطَلُوهَا، وَالْجَحِيمُ طَبَقَةٌ مِنْ طَبَقَاتِ جَهَنَّمَ. وَقِفُوهُمْ، كَمَا قَالَ:

وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ «١» ، وَهُوَ تَوْبِيخٌ لَهُمْ، إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ. وَقَرَأَ عِيسَى:

أَنَّهُمْ، بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: يُسْأَلُونَ عَنْ شُرْبِ الْمَاءِ الْبَارِدِ عَلَى طَرِيقِ الْهَزْءِ بِهِمْ، وَعَنْهُ أَيْضًا: يُسْأَلُونَ عَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. وَقَالَ الْجُمْهُورُ: وَعَنْ أَعْمَالِهِمْ، وَيُوقَفُونَ عَلَى قُبْحِهَا.

وَفِي الْحَدِيثِ: «لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ خَمْسٍ شَبَابِهِ فِيمَا أَبْلَاهُ، وَعَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ مَالِهِ كَيْفَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَا أَنْفَقَهُ، وَعَنْ مَا عَمِلَ فِيمَا عَلِمَ» .

وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى عَلَى نَحْوِ مَا فَسَّرَهُ بِقَوْلِهِ: مَا لَكُمْ لَا تَناصَرُونَ، أي إنهم مسؤولون عَنِ امْتِنَاعِهِمْ عَنِ التَّنَاصُرِ، وَهَذَا عَلَى سَبِيلِ التَّوْبِيخِ فِي الِامْتِنَاعِ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: هَذَا تَهَكُّمٌ بِهِمْ وَتَوْبِيخٌ لَهُمْ بِالْعَجْزِ عَنِ التَّنَاصُرِ بعد ما كَانُوا عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا مُتَعَاضِدِينَ مُتَنَاصِرِينَ. وَقَالَ الثَّعْلَبِيُّ: مَا لَكُمْ لَا تَناصَرُونَ، جَوَابُ أَبِي جَهْلٍ حِينَ قَالَ فِي بَدْرٍ: نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ «٢» . وقرىء: لَا تَنَاصَرُونَ، بِتَاءٍ وَاحِدَةٍ وَبِتَاءَيْنِ، وَبِإِدْغَامِ إِحْدَاهُمَا فِي الْأُخْرَى.

بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ: أَيْ قَدْ أَسْلَمَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَخَذَلَهُ عَنْ عَجْزٍ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مُسْتَسْلِمٌ غَيْرُ مُنْتَصِرٍ. وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ، قَالَ قَتَادَةُ: هُمْ جِنٌّ وَإِنْسٌ، وَتَسَاؤُلُهُمْ عَلَى مَعْنَى التَّقْرِيعِ وَالنَّدَمِ وَالسُّخْطِ. قَالُوا: أَيْ قَالَتِ الْإِنْسُ لِلْجِنِّ.

قَالَ مُجَاهِدٌ، وَابْنُ زَيْدٍ: أَوْ ضَعَفَةُ الْإِنْسِ الْكَفَرَةُ لكبرائهم وقادتهم. والْيَمِينِ:


(١) سورة الأنعام: ٦/ ٢٧.
(٢) سورة القمر: ٥٤/ ٤٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>