للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَتَلَّهُ عَلَى زِيَادَةِ الْوَاوِ. وَذَكَرَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي قِصَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَابْنِهِ، وَمَا جَرَى بَيْنَهُمَا مِنَ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ فُصُولًا، اللَّهُ أَعْلَمُ بِصِحَّتِهَا، يُوقِفُ عَلَيْهَا فِي كِتَابِهِ. وأن مُفَسِّرَةٌ، أَيْ قَدْ صَدَّقْتَ. وَقَرَأَ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ: وَنَادَيْنَاهُ قَدْ صَدَّقَتْ، بِحَذْفِ أن وقرىء: صَدَقْتَ، بِتَخْفِيفِ الدَّالِ. وَقَرَأَ فَيَّاضٌ: الرِّيَّا، بِكَسْرِ الرَّاءِ وَالْإِدْغَامِ وَتَصْدِيقِ الرُّؤْيَا. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ:

بَذَلَ وِسْعَهُ وَفَعَلَ مَا يَفْعَلُ الذَّابِحُ مِنْ بَطْحِهِ عَلَى شِقِّهِ وَإِمْرَارِ الشَّفْرَةِ عَلَى حَلْقِهِ، لَكِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ جَاءَ بِمَا مَنَعَ الشَّفْرَةَ أَنْ تَمْضِيَ فِيهِ، وَهَذَا لَا يَقْدَحُ فِي فِعْلِ إِبْرَاهِيمَ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُسَمَّى عَاصِيًا وَلَا مُفَرِّطًا؟ بَلْ يُسَمَّى مُطِيعًا وَمُجْتَهِدًا، كَمَا لَوْ مَضَتْ فِيهِ الشَّفْرَةُ وَفَرَتِ الْأَوْدَاجَ وَأَنْهَرَتِ الدَّمَ. وَلَيْسَ هَذَا مِنْ وُرُودِ النَّسْخِ عَلَى الْمَأْمُورِ بِهِ قَبْلَ الْفِعْلِ، وَلَا قَبْلَ أَوَانِ الْفِعْلِ فِي شَيْءٍ، كَمَا يَسْبِقُ إِلَى بَعْضِ الْأَوْهَامِ حَتَّى يَشْتَغِلَ بِالْكَلَامِ فِيهِ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ:

قَدْ صَدَّقْتَ، يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِقَلْبِكَ عَلَى مَعْنَى: كَانَتْ عِنْدَكَ رُؤْيَاكَ صَادِقَةً حَقًّا مِنَ اللَّهِ فَعَمِلْتَ بِحَسَبِهَا حِينَ آمَنْتَ بِهَا، وَاعْتَقَدْتَ صِدْقَهَا. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ: صَدَّقْتَ بِقَلْبِكَ مَا حَصَلَ عَنِ الرُّؤْيَا فِي نَفْسِكَ، كَأَنَّهُ قَالَ: قَدْ وَفَّيْتَهَا حَقَّهَا مِنَ الْعَمَلِ. انْتَهَى. إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ: تَعْلِيلٌ لِتَخْوِيلِ مَا خَوَّلَهُمَا اللَّهُ مِنَ الْفَرَجِ بَعْدَ الشِّدَّةِ، وَالظَّفَرِ بِالْبُغْيَةِ بَعْدَ الْيَأْسِ.

إِنَّ هَذَا: أَيْ مَا آمُرُ بِهِ إِبْرَاهِيمُ مِنْ ذَبْحِ ابْنِهِ، لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ: أَيِ الِاخْتِبَارُ الْبَيِّنُ الَّذِي يَتَمَيَّزُ فِيهِ الْمُخْلِصُونَ وَغَيْرُهُمْ، أَوِ الْمِحْنَةُ الْبَيِّنَةُ الصُّعُوبَةِ الَّتِي لَا مِحْنَةَ أَصْعَبُ مِنْهَا. وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ الْكَبْشُ الَّذِي قَرَّبَهُ هَابِيلُ فَقُبِلَ مِنْهُ، وَكَانَ يَرْعَى فِي الْجَنَّةِ حَتَّى فُدِيَ بِهِ إِسْمَاعِيلُ. وَقَالَ أَيْضًا هُوَ وَالْحَسَنُ: فُدِيَ بِوَعْلٍ أُهْبِطَ عَلَيْهِ مِنْ سَرْوٍ. وَقَالَ الْجُمْهُورُ: كَبْشٌ أَبْيَضُ أَقْرَنُ أَقْنَى، وَوُصِفَ بِالْعِظَمِ. قَالَ مُجَاهِدٌ: لِأَنَّهُ مُتَقَبَّلٌ يَقِينًا. وَقَالَ عَمْرُو بْنُ عَبِيدٍ: لِأَنَّهُ جَرَتِ السُّنَّةُ بِهِ، وَصَارَ دِينًا بَاقِيًا إِلَى آخِرِ الدَّهْرِ. وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ الْفَضْلِ: لِأَنَّهُ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْوَرَّاقُ: لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَنْ نَسْلٍ، بَلْ عَنِ التَّكْوِينِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ جُبَيْرٍ: عَظَمَتُهُ كَوْنُهُ مِنْ كِبَاشِ الْجَنَّةِ، رُعِيَ فِيهَا أَرْبَعِينَ خَرِيفًا. وَفِي قَوْلِهِ: وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ إِبْرَاهِيمَ لَمْ يَذْبَحِ ابْنَهُ، وَقَدْ فُدِيَ.

وَقَالَتْ فِرْقَةٌ: وَقَعَ الذَّبْحُ وَقَامَ بَعْدَ ذَلِكَ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَهَذَا كَذِبٌ صُرَاحٌ. وَقَالَتْ فِرْقَةٌ:

لَمْ يَرَ إِبْرَاهِيمُ فِي مَنَامِهِ الْإِمْرَارَ بِالشَّفْرَةِ فَقَطْ، فَظَنَّ أَنَّهُ ذِبْحٌ مُجَهَّزٌ، فَنَفَّذَ لِذَلِكَ. فَلَمَّا وَقَعَ الَّذِي رَآهُ وَقَعَ النَّسْخُ، قَالَ: وَلَا اخْتِلَافَ، فَإِنَّ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، أَمَرَّ الشَّفْرَةَ عَلَى حَلْقِ ابْنِهِ فَلَمْ تَقْطَعْ. انْتَهَى. وَالَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ أنه تَلَّهُ لِلْجَبِينِ فَقَطْ، وَلَمْ يَأْتِ فِي حَدِيثٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>