للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَأْسِ أَبِي طَالِبٍ مَجْلِسُ رَجُلٍ، فَقَامَ أَبُو جَهْلٍ كَيْ يَمْنَعَهُ، وَشَكَوْهُ إِلَى أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ:

يَا ابْنَ أَخِي، مَا تُرِيدُ مِنْ قَوْمِكَ؟ فَقَالَ: يَا عَمِّ، إِنَّمَا أُرِيدَ مِنْهُمْ كَلِمَةً تَذِلُّ لَهُمْ بِهَا الْعَرَبُ، وَتُؤَدِّي إِلَيْهِمُ الْجِزْيَةَ بِهَا الْعَجَمُ. قَالَ: وَمَا الْكَلِمَةُ؟ قَالَ: كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، قَالَ: وَمَا هِيَ؟ قَالَ:

لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، قَالَ فَقَامُوا وَقَالُوا: أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا؟ قَالَ: فَنَزَلَ فِيهِمُ الْقُرْآنُ: ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ، حَتَّى بَلَغَ، إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلاقٌ.

قَرَأَ الْجُمْهُورُ: ص، بِسُكُونِ الدَّالِ. وَقَرَأَ أُبَيٌّ، وَالْحَسَنُ، وَابْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، وَأَبُو السَّمَّالِ، وَابْنُ أَبِي عَبْلَةَ، وَنَصْرُ بْنُ عَاصِمٍ: صَادِ، بِكَسْرِ الدَّالِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كُسِرَ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ. وَهُوَ حَرْفٌ مِنْ حُرُوفِ المعجم نحو: ق وَنُونٍ. وَقَالَ الْحَسَنُ: هُوَ أَمْرٌ مِنْ صَادَى، أَيْ عَارَضَ، وَمِنْهُ الصَّدَى، وَهُوَ مَا يُعَارِضُ الصَّوْتَ فِي الْأَمَاكِنِ الصُّلْبَةِ الْخَالِيَةِ مِنَ الْأَجْسَامِ، أَيْ عَارِضٌ بِعَمَلِكَ الْقُرْآنَ. وَعَنْهُ أَيْضًا: صَادَيْتُ: حَادَثْتُ، أَيْ حَادَثَ، وَهُوَ قَرِيبٌ مِنَ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ. وَقَرَأَ عِيسَى، وَمَحْبُوبٌ عَنْ أَبِي عَمْرٍو، وَفِرْقَةٌ: صَادَ، بِفَتْحِ الدَّالِ، وَكَذَا قَرَأَ: قَافَ وَنُونَ، بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالنُّونِ، فَقِيلَ: الْفَتْحُ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ طَلَبًا لِلتَّخْفِيفِ وَقِيلَ: انْتَصَبَ عَلَى أَنَّهُ مُقْسَمٌ بِهِ، حُذِفَ مِنْهُ حَرْفُ الْقَسَمِ نَحْوُ قَوْلِهِ: أَللَّهَ لَأَفْعَلَنَّ، وَهُوَ اسْمٌ لِلسُّورَةِ، وَامْتَنَعَ مِنَ الصَّرْفِ لِلْعَلَمِيَّةِ وَالتَّأْنِيثِ، وَقَدْ صَرَفَهَا مَنْ قَرَأَ صَادٍ بِالْجَرِّ وَالتَّنْوِينِ عَلَى تَأْوِيلِ الْكِتَابِ وَالتَّنْزِيلِ، وَهُوَ ابْنُ أَبِي إِسْحَاقَ فِي رِوَايَةٍ. وَقَرَأَ الْحَسَنُ أَيْضًا: صَادٌ، بِضَمِّ الدَّالِ، فَإِنْ كَانَ اسْمًا لِلسُّورَةِ، فَخَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ هَذِهِ ص، وَهِيَ قِرَاءَةُ ابْنِ السَّمَيْفَعِ وَهَارُونَ الْأَعْوَرِ وَقَرَأَ ق وَنُونُ، بِضَمِّ الْفَاءِ وَالنُّونِ. وَقِيلَ: هُوَ حَرْفٌ دَالٌّ عَلَى مَعْنًى مِنْ فِعْلٍ أَوْ مِنِ اسْمٍ، فَقَالَ الضَّحَّاكُ: مَعْنَاهُ صَدَقَ اللَّهِ.

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: مِفْتَاحُ أَسْمَاءِ اللَّهِ مُحَمَّدٌ صَادِقُ الْوَعْدِ صَانِعُ الْمَصْنُوعَاتِ.

وَقِيلَ: مَعْنَاهُ صَدَقَ مُحَمَّدٌ.

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ جُبَيْرٍ، وَالسُّدِّيُّ: ذِي الذِّكْرِ: ذِي الشَّرَفِ الْبَاقِي الْمُخَلَّدِ. وَقَالَ قَتَادَةُ: ذِي التَّذْكِرَةِ، لِلنَّاسِ وَالْهِدَايَةِ لَهُمْ. وَقِيلَ: ذِي الذِّكْرِ، لِلْأُمَمِ وَالْقَصَصِ وَالْغُيُوبِ وَالشَّرَائِعِ وَجَوَابُ الْقَسَمِ، قِيلَ: مَذْكُورٌ، فَقَالَ الْكُوفِيُّونَ وَالزَّجَّاجُ: هُوَ قَوْلُهُ: إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ «١» . وَقَالَ الْفَرَّاءُ: لَا نَجِدُهُ مُسْتَقِيمًا فِي الْعَرَبِيَّةِ لِتَأَخُّرِهِ جِدًّا عَنْ قَوْلِهِ:

وَالْقُرْآنِ. وَقَالَ الْأَخْفَشُ: هُوَ إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ، وَقَالَ قَوْمٌ: كَمْ أَهْلَكْنا، وَحَذَفَ اللَّامَ أَيْ لَكُمْ، لَمَّا طَالَ الْكَلَامُ كَمَا حُذِفَتْ فِي وَالشَّمْسِ «٢» ، ثُمَّ قَالَ:


(١) هذه السورة آية: ٦٤.
(٢) سورة الشمس: ٩١/ ١.

<<  <  ج: ص:  >  >>