للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ: قُلْ هُوَ نَبَأٌ يَعُودُ عَلَى مَا أَخْبَرَ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ كَوْنِهِ رَسُولًا مُنْذِرًا دَاعِيًا إِلَى اللَّهِ، وَأَنَّهُ تَعَالَى هُوَ الْمُنْفَرِدُ بِالْأُلُوهِيَّةِ، الْمُتَّصِفُ بِتِلْكَ الْأَوْصَافِ مِنَ الْوَحْدَانِيَّةِ وَالْقَهْرِ وَمُلْكِ الْعَالَمِ وَعِزَّتِهِ وَغُفْرَانِهِ، وَهُوَ خَبَرٌ عَظِيمٌ لَا يُعْرِضُ عَنْ مِثْلِهِ إِلَّا غَافِلٌ شَدِيدُ الْغَفْلَةِ.

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: النَّبَأُ الْعَظِيمُ: الْقُرْآنُ. وَقَالَ الْحَسَنُ: يَوْمُ الْقِيَامَةِ. وَقِيلَ: قَصَصُ آدَمَ وَالْإِنْبَاءُ بِهِ مِنْ غَيْرِ سَمَاعٍ مِنْ أَحَدٍ. وَقَالَ صَاحِبُ التَّحْرِيرِ: سِيَاقُ الْآيَةِ وَظَاهِرُهَا أَنَّهُ يُرِيدُ بِقَوْلِهِ: قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ، مَا قَصَّهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ مُنَاظَرَةِ أَهْلِ النَّارِ وَمُقَاوَلَةِ الْأَتْبَاعِ مَعَ السَّادَاتِ، لِأَنَّهُ مِنْ أحوال البعث، وقريش كَانْتَ تُنْكِرُ الْبَعْثَ وَالْحِسَابَ وَالْعِقَابَ، وَهُمْ عَنْ ذَلِكَ مُعْرِضُونَ. وَقَوْلُهُ: مَا كانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلى إِذْ يَخْتَصِمُونَ: احْتِجَاجٌ عَلَى قُرَيْشٍ بِأَنَّ مَا جَاءَ بِهِ مِنَ عِنْدِ اللَّهِ لَا مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ. فَإِنَّ مَنْ فِي الْأَرْضِ مَا لَهُ عِلْمٌ بِمَنْ فِي السَّمَاءِ إِلَّا بِإِعْلَامِ اللَّهِ تَعَالَى وَعِلْمُ الْمُغَيَّبَاتِ لَا يُوصَلُ إِلَيْهِ إِلَّا بِإِعْلَامِ اللَّهِ تَعَالَى، وَعِلْمُهُ بِأَحْوَالِ أَهْلِ النَّارِ، وَابْتِدَاءِ خَلْقِ آدَمَ لَمْ يَكُنْ عَنْهُ عِلْمٌ بِذَلِكَ فَإِخْبَارُهُ بِذَلِكَ هُوَ بِإِعْلَامِ اللَّهِ وَالِاسْتِدْلَالُ بِقِصَّةِ آدَمَ، لِأَنَّهُ أَوَّلُ الْبَشَرِ خَلْقًا، وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الرَّسُولِ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَزْمَانٌ مُتَقَادِمَةٌ وَقُرُونٌ سَالِفَةٌ. انْتَهَى، وَفِي آخِرِهِ بَعْضُ اخْتِصَارٍ.

ثُمَّ احْتَجَّ بِصِحَّةِ نُبُوَّتِهِ، بِأَنَّ مَا ينبىء بِهِ عَنِ الْمَلَأِ الْأَعْلَى وَاخْتِصَامِهِمْ أَمْرٌ لَمْ يَكُنْ لَهُ بِهِ مِنْ عِلْمٍ قَطُّ. ثُمَّ عَلِمَهُ مِنْ غَيْرِ الطَّرِيقِ الَّذِي يَسْلُكُهُ الْمُتَعَلِّمُونَ، بَلْ ذَلِكَ مُسْتَفَادٌ من الوحي، وبالملأ متعلق بعلم، وإذ مَنْصُوبٌ بِهِ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: بِمَحْذُوفٍ، لِأَنَّ الْمَعْنَى:

مَا كان لي من علم بِكَلَامِ الْمَلَأِ الْأَعْلَى وَقْتَ اخْتِصَامِهِمْ. وإِذْ قالَ بَدَلٌ مِنْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ عَلَى الْمَلَأِ الْأَعْلَى، وَهُمُ الْمَلَائِكَةُ، وَأَبْعَدَ مَنْ قَالَ إِنَّهُمْ قُرَيْشٌ، وَاخْتِصَامُ الْمَلَائِكَةِ فِي أَمْرِ آدَمَ وَذُرِّيَّتِهِ فِي جَعْلِهِمْ فِي الْأَرْضِ. وَقَالُوا: أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها «١» . قَالَ ابْنِ عَبَّاسٍ: وَقَالَ الْحَسَنُ: إِنَّ اللَّهَ خَالِقٌ خَلْقًا كُنَّا أَكْرَمَ مِنْهُ وَأَعْلَمَ. وَقِيلَ:

فِي الْكَفَّارَاتِ وَغَفْرِ الذُّنُوبِ، فَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا عَمِلَ حَسَنَةً اخْتَلَفَتِ الْمَلَائِكَةُ فِي قَدْرِ ثَوَابِهِ فِي ذَلِكَ حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ بِمَا يَشَاءُ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «قَالَ لَهُ رَبُّهُ فِي نَوْمِهِ، عَلَيْهِ السَّلَامُ: فِيمَ يَخْتَصِمُونَ؟ فَقُلْتُ: لَا أَدْرِي، فَقَالَ: فِي الْكَفَّارَاتِ وَفِي إِسْبَاغِ الْوُضُوءِ فِي السَّرَّاتِ وَنَقْلِ الْخُطَا إِلَى الْجَمَاعَاتِ.

وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: كَانَتْ مُقَاوَلَةُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ بِوَاسِطَةِ مَلَكٍ، وَكَانَ الْمُقَاوِلُ في الحقيقة


(١) سورة البقرة: ٢/ ٣٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>