للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثُمَّ إِذا خَوَّلَهُ: أَنَالَهُ وَأَعْطَاهُ بَعْدَ كَشْفِ ذَلِكَ الضُّرِّ عَنْهُ. وَحَقِيقَةُ خَوَّلَهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ قَوْلِهِمْ: هُوَ خَائِلُهُ، قَالَ: إِذَا كَانَ مُتَعَهِّدًا حُسْنَ الْقِيَامِ عَلَيْهِ، أَوْ مِنْ خَالَ يَخُولُ، إِذَا اخْتَالَ وَافْتَخَرَ، وَتَقُولُ الْعَرَبُ:

إِنَّ الْغَنِيَّ طَوِيلَ الذَّيْلِ مَيَّاسٌ نَسِيَ ما كانَ يَدْعُوا: أَيْ تَرَكَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا بِمَعْنَى الَّذِي، أَيْ نَسِيَ الضُّرَّ الَّذِي كَانَ يَدْعُو اللَّهَ إِلَى كَشْفِهِ. وَقِيلَ: مَا بِمَعْنَى مَنْ، أَيْ نَسِيَ رَبَّهُ الَّذِي كَانَ يَتَضَرَّعُ إِلَيْهِ وَيَبْتَهِلُ فِي كَشْفِ ضُرِّهِ. وَقِيلَ: مَا مَصْدَرِيَّةٌ، أَيْ نَسِيَ كَوْنَهُ يَدْعُو. وَقِيلَ: تَمَّ الْكَلَامُ عِنْدَ قَوْلِهِ:

نَسِيَ، أَيْ نَسِيَ مَا كَانَ فِيهِ مِنَ الضُّرِّ. وَمَا نَافِيَةٌ، نَفَى أَنْ يَكُونَ دُعَاءَ هَذَا الْكَافِرِ خَالِصًا لِلَّهِ مَقْصُورًا مِنْ قِبَلِ الضَّرَرِ، وَعَلَى الْأَقْوَالِ السَّابِقَةِ. مِنْ قَبْلُ: أَيْ مِنْ قَبْلِ تَخْوِيلِ النِّعْمَةِ، وَهُوَ زَمَانُ الضَّرَرِ. وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْداداً: أَيْ أَمْثَالًا يُضَادُّ بَعْضُهَا بَعْضًا وَيُعَارِضُ.

قَالَ قَتَادَةُ: أَيْ مِنَ الرِّجَالِ يُطِيعُونَهُمْ فِي الْمَعْصِيَةِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: أَوْثَانًا، وَهَذَا مِنَ سَخْفِ عُقُولِهِمْ. حِينَ مَسَّ الضُّرُّ، دَعَوُا اللَّهَ وَلَمْ يَلْتَجِئُوا فِي كَشْفِهِ إِلَّا إِلَيْهِ وَحِينَ كَشَفَ ذَلِكَ وَخَوَّلَ النِّعْمَةَ أَشْرَكُوا بِهِ، فَاللَّامُ لَامُ الْعِلَّةِ، وَقِيلَ: لَامُ الْعَاقِبَةِ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: لِيُضِلَّ، بِضَمِّ الْيَاءِ: أَيْ مَا اكْتَفَى بِضَلَالِ نَفْسِهِ حَتَّى جَعَلَ غَيْرَهُ يَضِلُّ. وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ، وَأَبُو عُمَرَ، وَعِيسَى:

بِفَتْحِهَا، ثُمَّ أَتَى بِصِيغَةِ الْأَمْرِ فَقَالَ: تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا: أَيْ تَلَذَّذْ وَاصْنَعْ مَا شِئْتَ قَلِيلًا، أَيْ عُمْرًا قَلِيلًا، وَالْخِطَابُ لِلْكَافِرِ جَاعِلِ الْأَنْدَادِ لِلَّهِ. إِنَّكَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ: أَيْ مِنْ سُكَّانِهَا الْمُخَلَّدِينَ فِيهَا. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَقَوْلُهُ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ، أَيْ مِنْ بَابِ الْخِذْلَانِ وَالتَّخْلِيَةِ، كَأَنَّهُ قِيلَ لَهُ: إِذْ قَدْ أَبَيْتَ قَبْلُ مَا أَمَرْتُ بِهِ مِنَ الْإِيمَانِ وَالطَّاعَةِ، فَمِنْ حَقِّكِ أَنْ لَا تُؤْمَرَ بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ. وَيُؤْمَرُ بِتَرْكِهِ مُبَالَغَةَ في خِذْلَانِهِ وَتَخْلِيَتِهِ وَشَأْنَهُ، لِأَنَّهُ لَا مُبَالَغَةَ فِي الْخِذْلَانِ أَشَدُّ مِنَ أَنْ يُبْعَثَ عَلَى عَكْسِ مَا أُمِرُوا بِهِ، وَنَظِيرُهُ فِي الْمَعْنَى: مَتاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ «١» . انْتَهَى.

وَلَمَّا شَرَحَ تَعَالَى شَيْئًا مِنْ أَحْوَالِ الظَّالِمِينَ الضَّالِّينَ الْمُشْرِكِينَ، أَرْدَفَهُ بِشَرْحِ أَحْوَالِ الْمُهْتَدِينَ الْمُوَحِّدِينَ فقال: أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ. وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ، وَنَافِعٌ، وَحَمْزَةُ، وَالْأَعْمَشُ، وَعِيسَى، وَشَيْبَةُ، وَالْحَسَنُ فِي رِوَايَةٍ: أَمَنْ، بِتَخْفِيفِ الْمِيمِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْهَمْزَةَ لِاسْتِفْهَامِ التَّقْرِيرِ، وَمُقَابِلُهُ مَحْذُوفٌ لِفَهْمِ الْمَعْنَى، وَالتَّقْدِيرُ: أَهَذَا الْقَانِتُ خَيْرٌ أَمِ الْكَافِرُ الْمُخَاطَبُ


(١) سورة آل عمران: ٣/ ١٩٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>