للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِخِلَافٍ عَنْهُ وَالْجَحْدَرَيُّ، وَابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو: سَالِمًا اسْمُ فَاعِلٍ مِنَ سَلِمَ، أَيْ خَالِصًا مِنَ الشَّرِكَةِ. وَقَرَأَ الْأَعْرَجُ، وَأَبُو جَعْفَرٍ، وَشَيْبَةُ، وَأَبُو رَجَاءٍ، وَطَلْحَةُ، وَالْحَسَنُ: بِخِلَافٍ عَنْهُ وَبَاقِي السَّبْعَةِ: سَلَمًا بِفَتْحِ السِّينِ وَاللَّامِ. وَقَرَأَ ابْنُ جُبَيْرٍ: سِلْمًا بِكَسْرِ السِّينِ وَسُكُونِ اللَّامِ، وهما مصدران وُصِفَ بِهِمَا مُبَالَغَةً فِي الخلوص من الشركة. وقرىء: وَرَجُلٌ سَالِمٌ، بِرَفْعِهِمَا. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: أَيْ وَهُنَاكَ رَجُلٌ سَالِمٌ لِرَجُلٍ. انْتَهَى، فَجَعَلَ الْخَبَرَ هُنَاكَ.

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَرَجُلٌ مُبْتَدَأً، لِأَنَّهُ مَوْضِعُ تَفْصِيلٍ، إِذْ قَدْ تَقَدَّمَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ، فَيَكُونُ كَقَوْلِ امْرِئِ الْقَيْسِ:

إِذَا مَا بَكَى مِنْ خَلْفِهَا انْحَرَفَتْ لَهُ ... بِشِقٍّ وَشِقٌّ عِنْدَنَا لَمْ يُحَوَّلِ

وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَإِنَّمَا جَعَلَهُ رجلا ليكون أفظن لِمَا شَقِيَ بِهِ أَوْ سَعِدَ، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ وَالصَّبِيَّ قَدْ يَغْفَلَانِ عَنْ ذَلِكَ. وَانْتَصَبَ مَثَلًا عَلَى التَّمْيِيزِ الْمَنْقُولِ مِنَ الْفَاعِلِ، إِذِ التَّقْدِيرُ:

هَلْ يَسْتَوِي مَثَلُهُمَا؟ وَاقْتَصَرَ فِي التَّمْيِيزِ عَلَى الْوَاحِدِ، لِأَنَّهُ الْمُقْتَصَرُ عَلَيْهِ أَوَّلًا فِي قَوْلِهِ:

ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا، وَلِبَيَانِ الْجِنْسِ. وقرىء: مَثَلَيْنِ، فَطَابَقَ حَالَ الرَّجُلَيْنِ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَيَجُوزُ فِيمَنْ قَرَأَ مَثَلَيْنِ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ فِي يَسْتَوِيَانِ لِلْمَثَلَيْنِ، لِأَنَّ التَّقْدِيرَ مَثَلُ رَجُلٍ، وَالْمَعْنَى: هَلْ يَسْتَوِيَانِ فِيمَا يَرْجِعُ إِلَى الْوَصْفِيَّةِ؟ كَمَا يَقُولُ: كَفَى بِهِمَا رَجُلَيْنِ.

انْتَهَى. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَعُودُ الضَّمِيرُ فِي يَسْتَوِيَانِ إِلَى الرَّجُلَيْنِ، فَأَمَّا إِذَا جَعَلْتَهُ عَائِدًا إِلَى الْمَثَلَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَ أَنَّ التَّقْدِيرَ مَثَلَ رَجُلٍ وَرَجُلٍ، فَإِنَّ التَّمْيِيزَ إِذْ ذَاكَ يَكُونُ قَدْ فُهِمَ مِنَ الْمُمَيَّزِ الَّذِي هُوَ الضَّمِيرُ، إِذْ يَصِيرُ التَّقْدِيرُ: هَلْ يَسْتَوِي الْمَثَلَانِ مَثَلَيْنِ؟ قُلْ: الْحَمْدُ لِلَّهِ: أَيِ الثَّنَاءُ وَالْمَدْحُ لِلَّهِ لَا لِغَيْرِهِ، وَهُوَ الَّذِي ثَبَتَتْ وَحْدَانِيَّتُهُ، فَهُوَ الَّذِي يَجِبُ أَنْ يُحْمَدَ، بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ، فَيُشْرِكُونَ بِهِ غَيْرَهُ. وَلَفْظَةُ الْحَمْدُ لِلَّهِ تُشْعِرُ بِوُقُوعِ الْهَلَاكِ بِهِمْ بِقَوْلِهِ:

فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ «١» .

وَلَمَّا لَمْ يَلْتَفِتُوا إِلَى هَذِهِ الدَّلَائِلِ الْبَاهِرَةِ، أَخْبَرَ الْجَمِيعَ بِأَنَّهُمْ مَيِّتُونَ وَصَائِرُونَ إِلَيْهِ، وَأَنَّ اخْتَصَامَكُمْ يَكُونُ بَيْنَ يَدَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَهُوَ الْحَكَمُ الْعَدْلُ، فَيَتَمَيَّزُ الْمُحِقُّ مِنَ الْمُبْطِلِ، وَهُوَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَأَتْبَاعُهُ الْمُحِقُّونَ الْفَائِزُونَ بِالظَّفَرِ وَالْغَلَبَةِ، وَالْكَافِرُونَ هُمُ الْمُبْطِلُونَ.

فَالضَّمِيرُ فِي وَإِنَّكَ خِطَابٌ لِلرَّسُولِ، وَتَدْخُلُ مَعَهُ أُمَّتُهُ فِي ذَلِكَ. وَالظَّاهِرُ عَوْدُ الضَّمِيرِ فِي وَإِنَّهُمْ عَلَى الْكُفَّارِ، وَغُلِّبَ ضَمِيرُ الْخِطَابِ فِي إِنَّكَ عَلَى ضَمِيرِ الْغَيْبَةِ فِي إِنَّهُمْ،


(١) سورة الأنعام: ٦/ ٤٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>