الصِّلَةِ، وَالْفَوْجُ هُوَ الْمَوْصُولُ، فَهُوَ كَقَوْلِهِ: جَاءَ الْفَرِيقُ الَّذِي شَرُفَ وَشَرَّفَ. وَالْأَظْهَرُ عَدَمُ التَّوْزِيعِ، بَلِ الْمَعْطُوفَ عَلَى الصِّلَةِ، صِلَةٌ لِمَنْ لَهُ الصِّلَةُ الْأُولَى.
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: وَصَدَّقَ مُشَدَّدًا وَأَبُو صَالِحٍ، وَعِكْرِمَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ جُحَازَةَ: مُخَفَّفًا. قَالَ أَبُو صَالِحٍ: وَعَمِلَ بِهِ. وَقِيلَ: اسْتَحَقَّ بِهِ اسْمَ الصِّدْقِ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: فَعَلَى هَذَا إِسْنَادُ الْأَفْعَالِ كُلِّهَا إِلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَأَنَّ أُمَّتَهُ فِي ضِمْنِ الْقَوْلِ، وَهُوَ الَّذِي يَحْسُنُ أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ. انْتَهَى وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: أَيْ صَدَقَ بِهِ النَّاسَ، وَلَمْ يَكْذِبْهُمْ بِهِ، يَعْنِي: أَدَّاهُ إِلَيْهِمْ، كَمَا نَزَلَ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ تَحْرِيفٍ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ: وَصَارَ صَادِقًا بِهِ، أَيْ بِسَبَبِهِ، لِأَنَّ الْقُرْآنَ مُعْجِزَةٌ، وَالْمُعْجِزَةُ تَصْدِيقٌ مِنَ الْحَكِيمِ الَّذِي لَا يَفْعَلُ الْقَبِيحَ لِمَنْ يُجْرِيهَا عَلَى يَدَيْهِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُصَدَّقَ إِلَّا الصَّادِقُ، فَيَصِيرُ لِذَلِكَ صادقا بالمعجزة.
وقرىء: وَصَدَّقَ بِهِ. انْتَهَى، يَعْنِي: مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ مُشَدَّدًا. وَقَالَ صَاحِبُ الْلَوَامِحِ: جَاءَ بِالصِّدْقِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَصَدَّقَ بِقَوْلِهِ، أَيْ فِي قَوْلِهِ، أَوْ فِي مَجِيئِهِ، فَاجْتَمَعَ لَهُ الصِّفَتَانِ مِنَ الصِّدْقِ: مِنْ صِدْقِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَصِدْقِهِ بِنَفْسِهِ، وَذَلِكَ مُبَالَغَةٌ فِي الْمَدْحِ. انْتَهَى.
لَهُمْ ما يَشاؤُنَ: عَامٌّ فِي كُلِّ مَا تَشْتَهِيهِ أَنْفُسُهُمْ وَتَتَعَلَّقُ بِهِ إرادتهم. ولِيُكَفِّرَ:
مُتَعَلِّقٌ بِالْمُحْسِنِينَ، أَيِ الَّذِينَ أَحْسَنُوا لِيُكَفِّرَ، أَوْ بِمَحْذُوفٍ، أَيْ يَسَّرَ ذَلِكَ لَهُمْ لِيُكَفِّرَ، لِأَنَّ التَّكْفِيرَ لَا يَكُونُ إِلَّا بَعْدَ التَّيْسِيرِ للخير. وأَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا: هُوَ كُفْرُ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ وَمَعَاصِي أَهْلِ الْإِسْلَامِ. وَالتَّكْفِيرُ يَدُلُّ عَلَى سُقُوطِ الْعِقَابِ عَنْهُمْ عَلَى أَكْمَلِ الْوُجُوهِ، وَالْجَزَاءُ بِالْأَحْسَنِ يَدُلُّ عَلَى حُصُولِ الثَّوَابِ عَلَى أَكْمَلِ الْوُجُوهِ، فَقِيلَ: ذَلِكَ يَكُونُ إِذَا صَدَّقُوا الْأَنْبِيَاءَ فِيمَا أَتَوْا بِهِ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: يَجْزِيهِمْ بِالْمَحَاسِنِ مِنْ أَعْمَالِهِمْ، وَلَا يَجْزِيهِمْ بِالْمَسَاوِي، وَهَذَا قَوْلُ الْمُرْجِئَةِ، يَقُولُونَ: لَا يَضُرُّ شَيْءٌ مِنَ الْمَعَاصِي مَعَ الْإِيمَانِ. وَاحْتَجَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ، وَقَامَ الظَّاهِرِ مَقَامَ الْمُضْمَرِ فِي الْمُحْسِنِينَ، أَيْ ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ، فَنَبَّهَ بِالظَّاهِرِ عَلَى الْعِلَّةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِحُصُولِ الثَّوَابِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ أَسْوَأَ أَفْعَلُ تَفْضِيلٍ، وَبِهِ قَرَأَ الْجُمْهُورُ: وَإِذَا كَفَّرَ أَسْوَأَ أَعْمَالِهِمْ، فَتَكْفِيرُ مَا هُوَ دُونَهُ أَحْرَى. وَقِيلَ: أَفْعَلُ لَيْسَ لِلتَّفْضِيلِ، وَهُوَ كَقَوْلِكَ:
الْأَشَجُّ أَعْدَلُ بَنِي مَرْوَانَ، أَيْ عَادِلٌ، فكذلك هذا، أي سيء الَّذِينَ عَمِلُوا. وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ قِرَاءَةُ ابْنِ مِقْسَمٍ، وَحَامِدِ بْنِ يَحْيَى، عَنِ ابْنِ كَثِيرٍ: أَسْوَأَ هُنَا وَفِي حم السَّجْدَةِ بِأَلِفٍ بَيْنَ الْوَاوِ وَالْهَمْزَةِ جَمْعُ سُوءٍ، وَلَا تَفْضِيلَ فِيهِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ بِأَحْسَنِ أَفْعَلُ تَفْضِيلٍ فَقِيلَ:
لِيَنْظُرَ إِلَى أَحْسَنِ طَاعَاتِهِ فَيُجْزَى الْبَاقِي فِي الْجَزَاءِ عَلَى قِيَاسِهِ، وَإِنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ بِالتَّقْصِيرِ.
وَقِيلَ: بِأَحْسَنِ ثَوَابِ أَعْمَالِهِمْ. وَقِيلَ: بِأَحْسَنِ مِنْ عَمَلِهِمْ، وَهُوَ الْجَنَّةُ، وَهَذَا يَنْبُو عَنْهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute