للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذِكْرِ الْمَلَكَيْنِ. وَقَالَ سِيبَوَيْهِ: هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى كَفَرُوا، قَالَ: وَارْتَفَعَتْ فَيَتَعَلَّمُونَ، لِأَنَّهُ لَمْ يُخْبِرْ عَنِ الْمَلَكَيْنِ أَنَّهُمَا قَالَا: لَا تَكْفُرْ، فَيَتَعَلَّمُوا لِيَجْعَلَا كُفْرَهُ سَبَبًا لِتَعَلُّمِ غَيْرِهِ، وَلَكِنَّهُ عَلَى كَفَرُوا فَيَتَعَلَّمُونَ. يُرِيدُ سِيبَوَيْهِ: أَنَّ فَيَتَعَلَّمُونَ لَيْسَ بِجَوَابٍ لِقَوْلِهِ: فَلَا تَكْفُرْ، فَيُنْصَبُ كما نصب لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ «١» ، لِأَنَّ كُفْرَ مَنْ نُهِيَ أَنْ يَكْفُرَ فِي الْآيَةِ، لَيْسَ سَبَبًا لِتَعَلُّمِ مَنْ يَتَعَلَّمُ. وَكَفَرُوا: فِي مَوْضِعِ فِعْلٍ مَرْفُوعٍ، فَعُطِفَ عَلَيْهِ، مَرْفُوعٌ، وَلَا وَجْهَ لِاعْتِرَاضِ مَنِ اعْتَرَضَ فِي الْعَطْفِ عَلَى كَفَرُوا، أَوْ عَلَى يَعْلَمُونَ، بِأَنَّ فِيهِ إِضْمَارَ الْمَلَكَيْنِ. قِيلَ: ذَكَرَهُمَا مِنْ أَجْلِ أَنَّ التَّقْدِيرَ: وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ، فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما، لِأَنَّ قَوْلَهُ: فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما إِنَّمَا جَاءَ بَعْدَ ذِكْرِ الْمَلَكَيْنِ، كَمَا تَقَدَّمَ. وَقَدْ نُقِلَ عَنْ سِيبَوَيْهِ أَنَّ قَوْلَهُ: فَيَتَعَلَّمُونَ، هو على إضمارهم، أَيْ فَهُمْ يَتَعَلَّمُونَ، فَتَكُونُ جُمْلَةً ابْتِدَائِيَّةً مَعْطُوفَةً عَلَى مَا قَبْلَهَا عَطْفَ الْجُمَلِ، وَالضَّمِيرُ عَلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ فِي فَيَتَعَلَّمُونَ عَائِدٌ عَلَى النَّاسِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فَيَتَعَلَّمُونَ مَعْطُوفًا عَلَى يُعَلِّمَانِ، وَالضَّمِيرُ الَّذِي فِي فَيَتَعَلَّمُونَ لِأَحَدٍ، وَجُمِعَ حَمْلًا عَلَى الْمَعْنَى، كَمَا قَالَ تَعَالَى: فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ «٢» . وَهَذَا الْعَطْفُ، وَإِنْ كَانَ عَلَى مَنْفِيٍّ، فلذلك الْمَنْفِيُّ هُوَ مُوجَبٌ فِي الْمَعْنَى، لِأَنَّ مَعْنَاهُ: أَنَّهُمَا يُعَلِّمَانِ كُلَّ وَاحِدٍ، إِذَا قَالَا لَهُ: إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ. وَذَكَرَ الزَّجَّاجُ هَذَا الْوَجْهَ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ أَيْضًا: الْأَجْوَدُ أَنْ يَكُونَ عَطْفًا عَلَى يُعَلِّمَانِ فَيَتَعَلَّمُونَ، وَاسْتُغْنِيَ عَنْ ذِكْرِ يُعَلِّمَانِ، بِمَا فِي الْكَلَامِ مِنَ الدَّلِيلِ عَلَيْهِ. وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ: لَا وَجْهَ لِقَوْلِ الزَّجَّاجِ اسْتُغْنِيَ عَنْ ذِكْرِ يُعَلِّمَانِ، لِأَنَّهُ مَوْجُودٌ فِي النَّصِّ. انْتَهَى كَلَامُ أَبِي عَلِيٍّ، وَهُوَ كَلَامٌ فِيهِ مُغَالَطَةٌ، لِأَنَّ الزَّجَّاجَ لَمْ يُرِدْ أَنَّ فَيَتَعَلَّمُونَ مَعْطُوفٌ عَلَى يُعَلِّمَانِ، الدَّاخِلِ عَلَيْهَا مَا النَّافِيَةُ فِي قَوْلِهِ: وَلَا مَا يُعَلِّمَانِ، فَيَكُونَ يُعَلِّمَانِ مَوْجُودًا فِي النَّصِّ، وَإِنَّمَا يُرِيدُ أَنَّ يُعَلِّمَانِ مُضْمَرَةٌ مُثْبَتَةٌ لَا مَنْفِيَّةٌ.

وَهَذَا الَّذِي قَدَّرَهُ الزَّجَّاجُ لَيْسَ مَوْجُودًا فِي النَّصِّ. وَحَمَلَ أَبَا عَلِيٍّ عَلَى هَذِهِ الْمُغَالَطَةِ حُبُّ رَدِّهِ عَلَى الزَّجَّاجِ وَتَخْطِئَتِهِ، لِأَنَّهُ كَانَ مُولَعًا بِذَلِكَ. وَلِلشَّنَآنِ الْجَارِي بَيْنَهُمَا سَبَبٌ ذَكَرَهُ النَّاسُ. انْتَهَى مَا وَقَفْنَا عَلَيْهِ لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْعَطْفِ، وَأَكْثَرُهُ كَلَامُ الَمَهْدَوِيِّ، لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَشْبَعَ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ. وَتَلَخَّصَ فِي هَذَا الْعَطْفِ أَنَّهُ عُطِفَ عَلَى مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: فَيَأْبَوْنَ فَيَتَعَلَّمُونَ، أَوْ يُعَلِّمَانِ فَيَتَعَلَّمُونَ، أَيْ عَلَى مُثْبَتٍ، أَوْ يَتَعَلَّمُونَ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ فَهُمْ يَتَعَلَّمُونَ عَطْفَ جُمْلَةٍ اسْمِيَّةٍ عَلَى فِعْلِيَّةٍ، أَوْ مَعْطُوفًا عَلَى يُعَلِّمُونَ النَّاسَ، أَوْ معطوفا على


(١) سورة طه: ٢٠/ ٦١.
(٢) سورة الحاقة: ٦٩/ ٤٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>