للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَبْدِ اللَّهِ: وَكَذَلِكَ سَبَقَتْ، وَهُوَ تَفْسِيرُ مَعْنًى، لَا قِرَاءَةٌ. وَقَرَأَ ابْنُ هُرْمُزَ، وَشَيْبَةُ، وَابْنُ الْقَعْقَاعِ، وَنَافِعٌ، وَابْنُ عَامِرٍ: كَلِمَاتٌ عَلَى الْجَمْعِ وَأَبُو رَجَاءٍ، وَقَتَادَةُ، وَبَاقِي السَّبْعَةِ: عَلَى الْإِفْرَادِ.

الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ، رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ، وَقِهِمُ السَّيِّئاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ، إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمانِ فَتَكْفُرُونَ، قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ، ذلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ، هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آياتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ رِزْقاً وَما يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ.

لَمَّا ذَكَرَ جِدَالَ الْكُفَّارِ فِي آيَاتِ اللَّهِ وَعِصْيَانَهُمْ، ذَكَرَ طَاعَةَ هَؤُلَاءِ الْمُصْطَفَيْنَ مِنْ خَلْقِهِ، وَهُمْ حَمَلَةُ الْعَرْشِ، وَمَنْ حَوْلَهُ، وَهُمْ الْحَافُّونَ بِهِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ. وَذَكَرُوا مِنْ وَصْفِ تِلْكَ الجملة وَعِظَمِ خَلْقِهِمْ، وَوَصْفِ الْعَرْشِ، وَمِنْ أَيِّ شَيْءٍ خُلِقَ، وَالْحُجُبِ السَّبْعِينِيَّاتِ الَّتِي اخْتَلَفَتْ أَجْنَاسُهَا، قَالُوا: احْتَجَبَ اللَّهُ عَنِ الْعَرْشِ وَعَنْ حَامِلِيهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِهِ عَلَى أَنَّ قُدْرَتَهُ تَعَالَى مُحْتَمِلَةٌ لِكُلِّ مَا ذَكَرُوهُ مِمَّا لَا يَقْتَضِي تَجْسِيمًا، لَكِنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَى نَقْلٍ صَحِيحٍ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: الْعَرْشَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَفِرْقَةٌ: بِضَمِّهَا، كَأَنَّهُ جَمْعُ عَرْشٍ، كَسَقْفٍ وَسُقُفٍ، أَوْ يَكُونُ لُغَةً فِي الْعَرْشِ.

يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ: أَيْ يُنَزِّهُونَهُ عَنْ جَمِيعِ النَّقَائِصِ، بِحَمْدِ رَبِّهِمْ: بِالثَّنَاءِ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ الْمُنْعِمُ عَلَى الْإِطْلَاقِ. وَالتَّسْبِيحُ: إِشَارَةٌ إِلَى الْإِجْلَالِ وَالتَّحْمِيدُ: إِشَارَةٌ إِلَى الْإِكْرَامِ، فَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ قَوْلِهِ: تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ «١» ، وَنَظِيرُهُ:

وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ «٢» وَقَوْلُهُمْ: وَنَحْنُ نَسَبَّحُ بِحَمْدِكَ. وَيُؤْمِنُونَ: أَيْ وَيُصَدِّقُونَ بِوُجُودِهِ تَعَالَى وَبِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ مِنْ صِفَاتِهِ الْعُلَا، وَتَسْبِيحُهُمْ إِيَّاهُ يَتَضَمَّنُ الْإِيمَانَ. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: فَإِنْ قُلْتَ: مَا فَائِدَةُ قَوْلِهِ: وَيُؤْمِنُونَ بِهِ، وَلَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ أَنَّ حملة العرش ومن حوله من الملائكة


(١) سورة الرحمن: ٥٥/ ٧٨.
(٢) سورة الزمر: ٣٩/ ٧٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>