للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَكْثَرَ النَّحْوِيِّينَ. وَجُمْلَةُ وَلَقَدْ عَلِمُوا مُقْسَمٌ عَلَيْهَا التَّقْدِيرُ: وَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمُوا. وَالْجُمْلَةُ الثَّانِيَةُ عِنْدَهُ غَيْرُ مُقْسَمٍ عَلَيْهَا. وَأَجَازَ الْفَرَّاءُ أَنْ تَكُونَ الْجُمْلَتَانِ مُقْسَمًا عَلَيْهِمَا، وَتَكُونَ مَنْ لِلشَّرْطِ، وَتَبِعَهُ فِي ذَلِكَ الْحَوْفِيُّ وَأَبُو الْبَقَاءِ. قَالَ أَبُو الْبَقَاءِ: اللَّامُ فِي لَمَنِ اشْتَراهُ هِيَ الَّتِي يُوطَأُ بِهَا الْقَسَمُ مِثْلَ: لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ «١» ، وَمَنْ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بِالِابْتِدَاءِ، وَهِيَ شَرْطٌ وَجَوَابُ الْقَسَمِ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ. انْتَهَى كَلَامُهُ. فَاشْتَرَاهُ فِي الْقَوْلِ الْأَوَّلِ صِلَةٌ، وَفِي هَذَا الْقَوْلِ خَبَرٌ عَنْ مَنْ، وَيَكُونُ إِذْ ذَاكَ جَوَابُ الشَّرْطِ مَحْذُوفًا يَدُلُّ عَلَيْهِ جَوَابُ الْقَسَمِ، لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ قَسَمٌ وَشَرْطٌ، وَلَمْ يَتَقَدَّمْهُمَا ذُو خَبَرٍ، فَكَانَ الْجَوَابُ لِلسَّابِقِ، وَهُوَ الْقَسَمُ، وَلِذَلِكَ كَانَ فِعْلُ الشَّرْطِ مَاضِيًا فِي اللَّفْظِ. هَذَا هُوَ تَقْرِيرُ هَذَا الْقَوْلِ وَتَوْضِيحُهُ. وُفِي كِلَا الْقَوْلَيْنِ يَكُونُ: لِمَنِ اشْتَرَاهُ، فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ: بِيَعْلَمُوا. وَقَدْ نُقِلَ عَنِ الزَّجَّاجِ رَدُّ قَوْلِ مَنْ قَالَ مَنْ شَرْطٌ، وَقَالَ هَذَا لَيْسَ مَوْضِعَ شَرْطٍ، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ تَوْجِيهُ، كَوْنِهِ لَيْسَ مَوْضِعَ شَرْطٍ.

وَأَرَى الْمَانِعَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْفِعْلَ الَّذِي يَلِي مَنْ هُوَ مَاضٍ لَفْظًا وَمَعْنًى، لِأَنَّ الِاشْتِرَاءَ قَدْ وَقَعَ، وَجَعْلُهُ شَرْطًا لَا يَصِحُّ، لِأَنَّ فِعْلَ الشَّرْطِ إِذَا كَانَ مَاضِيًا لَفْظًا، فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُسْتَقْبَلًا فِي الْمَعْنَى. فَلَمَّا كَانَ كَذَلِكَ، كَانَ لَيْسَ مَوْضِعَ شَرْطٍ. وَالضَّمِيرُ الْمَنْصُوبُ فِي اشْتَرَاهُ عَائِدٌ عَلَى السِّحْرِ، أَوِ الْكُفْرِ، أَوْ كِتَابِهِمُ الَّذِي بَاعُوهُ بِالسِّحْرِ، أَوِ الْقُرْآنِ، لِأَنَّهُ تَعَوَّضُوا عَنْهُ بِكُتُبِ السِّحْرِ، أَقْوَالٌ أَرْبَعَةٌ. وَالْخَلَاقُ: النَّصِيبُ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ، أَوِ الدِّينُ، قَالَهُ الْحَسَنُ أَوِ الْقَوَامُ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، أَوِ الْخَلَاصُ، أَوِ الْقَدَرُ، قَالَهُ قَتَادَةُ أَقْوَالٌ خَمْسَةٌ.

وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ: تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي بِئْسَ، وَفِي مَا الْوَاقِعَةُ بَعْدَهَا، وَمَعْنَاهُ: ذُمَّ مَا بَاعُوا بِهِ أَنْفُسَهُمْ. وَالضَّمِيرُ فِي بِهِ عَائِدٌ عَلَى السِّحْرِ، أَوِ الْكُفْرِ. وَالْمَخْصُوصُ بِالذَّمِّ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: عَلَى أَحْسَنِ الْوُجُوهِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ فِي بِئْسَمَا السِّحْرُ، أَوِ الْكُفْرُ.

وَالضَّمِيرُ فِي: شَرَوْا، وَيَعْلَمُونَ، بِاتِّفَاقٍ لِلْيَهُودِ. فَمَتَى فُسِّرَ الضَّمِيرُ فِي وَلَقَدْ عَلِمُوا بِأَنَّهُ عَائِدٌ عَلَى الشَّيَاطِينِ، أَوِ الْيَهُودِ الَّذِينَ كَانُوا بِحَضْرَةِ سُلَيْمَانَ، وَفِي زَمَانِهِ، أَوِ الْمَلَكَيْنِ بِفَتْحِ اللَّامِ، أَوْ بِكَسْرِهَا، فَلَا إِشْكَالَ لِاخْتِلَافِ الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ الْعِلْمُ. وَإِنِ اتَّحَدَ الْمُسْنَدُ إِلَيْهِ، أُوِّلَ الْعِلْمُ الثَّانِي بِالْعَقْلِ، لِأَنَّ الْعِلْمَ مِنْ ثَمَرَتِهِ، فَلَمَّا انْتَفَى الْأَصْلُ، نُفِيَ ثَمَرَتُهُ. أَوْ بِالْعَمَلِ، لِأَنَّهُ مِنْ ثَمَرَةِ الْعِلْمِ، فَلَمَّا انْتَفَتِ الثَّمَرَةُ، جُعِلَ مَا يَنْشَأُ عَنْهُ مَنْفِيًّا، أَوْ أُوِّلَ مُتَعَلِّقُ الْعِلْمِ، وَهُوَ الْمَحْذُوفُ، أَيْ عَلِمُوا ضَرَرَهُ فِي الْآخِرَةِ، وَلَمْ يَعْلَمُوا نَفْعَهُ فِي الدُّنْيَا. أو علموا نفي


(١) سورة الأحزاب: ٣٣/ ٦٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>