للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَظَنُّكُمْ بِرَبِّكُمْ ذَلِكُمْ أَهْلَكَكُمْ. وقال الزمخشري: وظنكم وأرداكم خَبْرَانِ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ:

أَرْدَاكُمْ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا بَعْدَ خَبَرٍ. انْتَهَى. وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ ظَنُّكُمْ بِرَبِّكُمْ خَبَرًا، لِأَنَّ قَوْلَهُ: وَذلِكُمْ إِشَارَةٌ إِلَى ظَنِّهِمُ السَّابِقِ، فَيَصِيرُ التَّقْدِيرُ: وَظَنُّكُمْ بِأَنَّ رَبَّكُمْ لَا يَعْلَمُ ظَنَّكُمْ بِرَبِّكُمْ، فَاسْتُفِيدَ مِنَ الْخَبَرِ مَا اسْتُفِيدَ مِنَ الْمُبْتَدَأِ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ وَصَارَ نَظِيرَ مَا مَنَعَهُ النُّحَاةُ مِنْ قَوْلِكَ: سَيِّدُ الْجَارِيَةِ مَالِكُهَا. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَجَوَّزَ الْكُوفِيُّونَ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى أَرْدَاكُمْ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، وَالْبَصْرِيُّونَ لَا يُجِيزُونَ وُقُوعَ الْمَاضِي حَالًا إِلَّا إِذَا اقْتَرَنَ بقد، وَقَدْ يَجُوزُ تَقْدِيرُهَا عِنْدَهُمْ إِنْ لَمْ يَظْهَرْ. انْتَهَى. وَقَدْ أَجَازَ الْأَخْفَشُ مِنَ الْبَصْرِيِّينَ وُقُوعَ الْمَاضِي حَالًا بِغَيْرِ تَقْدِيرِ قَدْ وَهُوَ الصَّحِيحُ، إِذْ كَثُرَ ذَلِكَ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ كَثْرَةً تُوجِبُ الْقِيَاسَ، وَيَبْعُدُ فِيهَا التَّأْوِيلُ، وَقَدْ ذَكَرْنَا كَثْرَةَ الشَّوَاهِدِ عَلَى ذَلِكَ فِي كِتَابِنَا الْمُسَمَّى (بِالتَّذْيِيلِ وَالتَّكْمِيلِ فِي شَرْحِ التَّسْهِيلِ) .

فَإِنْ يَصْبِرُوا: خِطَابٌ لِلنَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ، قِيلَ: وَفِي الْكَلَامِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ: أولا يَصْبِرُوا، كَقَوْلِهِ: فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَواءٌ عَلَيْكُمْ، «١» وَذَلِكَ فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَقِيلَ:

التَّقْدِيرُ: فَإِنْ يَصْبِرُوا عَلَى تَرْكِ دِينِكَ وَاتِّبَاعِ أَهْوَائِهِمْ، فَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ: أَيْ مَكَانُ إِقَامَةٍ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ، فَما هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ: اسْمُ مَفْعُولٍ. قَالَ الضَّحَّاكُ: إِنْ يَعْتَذِرُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمَعْذُورِينَ وَقِيلَ: وَإِنْ طَلَبُوا الْعُتْبَى، وَهِيَ الرِّضَا، فَمَا هُمْ مِمَّنْ يُعْطَاهَا وَيَسْتَوْجِبُهَا. وَقَرَأَ الْحَسَنِ، وَعَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ، وَمُوسَى الْأَسْوَارِيُّ:

وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا: مَبْنِيًا لِلْمَفْعُولِ، فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ: اسْمُ فَاعِلٍ، أَيْ طَلَبَ مِنْهُمْ أَنْ يُرْضُوا رَبَّهُمْ، فَمَا هُمْ فَاعِلُونَ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ قَدْ فَارَقُوا الدُّنْيَا دَارَ الأعمال، كَمَا

قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ بَعْدَ الْمَوْتِ مُسْتَعْتَبٌ» .

وَقَالَ أَبُو ذُؤَيْبٍ:

أَمِنَ المنون وريبة تَتَوَجَّعُ ... وَالدَّهْرُ لَيْسَ بِمُعْتِبٍ مَنْ يَجْزَعُ

وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْقِرَاءَةُ بِمَعْنَى: وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ.

وَلَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى الْوَعِيدَ الشَّدِيدَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ عَلَى كُفْرِ أُولَئِكَ الْكَفَرَةِ، أَرْدَفَهُ بِذِكْرِ السَّبَبِ الَّذِي أَوْقَعَهُمْ فِي الْكُفْرِ فَقَالَ: وَقَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ: أَيْ سَبَّبْنَا لَهُمْ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا. وَقِيلَ: سَلَّطْنَا وَوَكَّلْنَا عَلَيْهِمْ. وَقِيلَ: قَدَّرْنَا لَهُمْ. وَقُرَنَاءُ: جَمْعُ قَرِينٍ، أَيْ قُرَنَاءَ سُوءٍ مِنْ غُوَاةِ الْجِنِ وَالْإِنْسِ فَزَيَّنُوا لَهُمْ: أَيْ حَسَّنُوا وَقَدَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ


(١) سورة الطور: ٥٢/ ١٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>