للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اللُّغَةِ أَنَّهُ يُقَالُ لِلَّذِي لَا يَفْهَمُ: أَنْتَ تُنَادَى مِنْ بَعِيدٍ، أَيْ كَأَنَّهُ يُنَادَى مِنْ مَوْضِعٍ بَعِيدٍ، فَهُوَ لَا يَسْمَعُ النِّدَاءَ وَلَا يَفْهَمُهُ. وَحَكَى النَّقَّاشُ: كَأَنَّمَا يُنَادَوْنَ مِنَ السَّمَاءِ.

وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ تَسْلِيَةٌ لِلرَّسُولِ فِي كَوْنِ قَوْمِهِ اضْطَرَبُوا فِيمَا جَاءَ بِهِ مِنَ الذِّكْرِ، فَذَكَرَ أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ أُوتِيَ الْكِتَابَ، وَهُوَ التَّوْرَاةُ فَاخْتُلِفَ فِيهِ. وَتَقَدَّمَ شَرْحُ هَذِهِ الْآيَةِ فِي أَوَاخِرِ سُورَةِ هُودٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَالْكَلَامُ عَلَى نَظِيرِ وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ فِي قَوْلِهِ فِي سُورَةِ الْحَجِّ: وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ «١» .

إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ وَما تَخْرُجُ مِنْ ثَمَراتٍ مِنْ أَكْمامِها وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكائِي قالُوا آذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ، وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كانُوا يَدْعُونَ مِنْ قَبْلُ وَظَنُّوا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ، لَا يَسْأَمُ الْإِنْسانُ مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُسٌ قَنُوطٌ، وَلَئِنْ أَذَقْناهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِما عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ، وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ، قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقاقٍ بَعِيدٍ، سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ، أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقاءِ رَبِّهِمْ أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ.

لَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى مَنْ عَمِلَ صالِحاً الْآيَةَ، كَانَ فِي ذَلِكَ دَلَالَةٌ عَلَى الْجَزَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَكَأَنَّ سَائِلًا قَالَ: وَمَتَى ذَلِكَ؟ فَقِيلَ: لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا اللَّهُ، وَمَنْ سُئِلَ عَنْهَا فَلَيْسَ عِنْدَهُ عِلْمٌ بِتَعَيُّنِ وَقْتِهَا، وَإِنَّمَا يُرَدُّ ذَلِكَ إِلَى اللَّهِ. ثُمَّ ذَكَرَ سِعَةَ عِلْمِهِ وَتَعَلُّقَهُ بِمَا لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا هُوَ تَعَالَى. وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ، وَالْأَعْرَجُ، وَشَيْبَةُ، وَقَتَادَةُ، وَالْحَسَنُ بِخِلَافٍ عَنْهُ وَنَافِعٌ، وَابْنُ عَامِرٍ، فِي غَيْرِ رِوَايَةٍ: أَيْ جَلِيَّةٍ وَالْمُفَضَّلُ، وَحَفْصٌ، وَابْنُ مِقْسَمٍ: مِنْ ثَمَراتٍ عَلَى الْجَمْعِ. وَقَرَأَ بَاقِي السَّبْعَةِ، وَالْحَسَنُ فِي رِوَايَةِ طَلْحَةَ وَالْأَعْمَشُ: بِالْإِفْرَادِ. وَلَمَّا كَانَ مَا يَخْرُجُ مِنْ أَكْمَامِ الشَّجَرَةِ وَمَا تَحْمِلُ الْإِنَاثُ وَتَضَعُهُ هُوَ إِيجَادُ أَشْيَاءٍ بَعْدَ الْعَدَمِ، نَاسَبَ أَنْ يُذْكَرَ مَعَ عِلْمِ السَّاعَةِ، إِذْ فِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى الْبَعْثِ، إِذْ هُوَ إِعَادَةٌ بَعْدَ إِعْدَامٍ، وَنَاسَبَ ذِكْرَ أَحْوَالِ الْمُشْرِكِينَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَسُؤَالِهِمْ سُؤَالَ التَّوْبِيخِ فَقَالَ: وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكائِي: أَيْ الَّذِينَ نَسَبْتُمُوهُمْ إِلَيَّ وَزَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ شُرَكَاءٌ لِي، وَفِي ذَلِكَ تَهَكُّمٌ بهم


(١) سورة الحج: ٢٢/ ١٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>