للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَثَلُ هُوَ أَنَّ الْكُفَّارَ لَمَّا سَمِعُوا أَنَّ النَّصَارَى تَعْبُدُ عِيسَى قَالُوا: آلِهَتُنَا خَيْرٌ مِنْ عِيسَى، قَالَ ذَلِكَ مِنْهُمْ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الْمَلَائِكَةَ. وَضُرِبَ مَبْنِيٌّ لِلْمَفْعُولِ، فَاحْتَمَلَ أَنْ يكون الْفَاعِلُ ابْنَ الزِّبَعْرَى، إِنْ صَحَّتْ قِصَّتُهُ، وَأَنْ يَكُونَ الكفار. وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ، وَالْأَعْرَجُ، وَالنَّخَعِيُّ، وَأَبُو رَجَاءٍ، وَابْنُ وَثَّابٍ، وَعَامِرٌ، وَنَافِعٌ، وَالْكِسَائِيُّ: يَصُدُّونَ، بِضَمِّ الصَّادِ، أَيْ يُعْرِضُونَ عَنِ الْحَقِّ مِنْ أَجْلِ ضَرْبِ الْمَثَلِ. وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ جُبَيْرٍ، وَالْحَسَنُ، وَعِكْرِمَةُ، وَبَاقِي السَّبْعَةِ: بِكَسْرِهَا، أَيْ يَصِيحُونَ وَيَرْتَفِعُ لَهُمْ حَمِيَّةٌ بِضَرْبِ الْمَثَلِ.

وَرُوِيَ: ضَمُّ الصَّادِ، عَنْ عَلِيٍّ

، وَأَنْكَرَهَا ابْنُ عَبَّاسٍ، وَلَا يَكُونُ إِنْكَارُهُ إِلَّا قَبْلَ بُلُوغِهِ تَوَاتُرَهَا. وَقَرَأَ الْكِسَائِيُّ، وَالْفَرَّاءُ:

هُمَا لُغَتَانِ بِمَعْنًى: مِثْلُ يَعْرِشُونَ وَيَعْرُشُونَ.

وَقالُوا أَآلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ: خَفَّفَ الْكُوفِيُّونَ الْهَمْزَتَيْنِ، وَسَهَّلَ بَاقِي السَّبْعَةِ الثَّانِيَةَ بَيْنَ بَيْنَ. وَقَرَأَ وَرْشٌ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْأَزْهَرِ: بِهَمْزَةٍ وَاحِدَةٍ عَلَى مِثَالِ الْخَبَرِ، فَاحْتُمِلَ أَنْ تَكُونَ هَمْزَةُ الِاسْتِفْهَامِ مَحْذُوفَةً لِدَلَالَةِ أَمْ عَلَيْهَا، وَاحْتُمِلَ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا مَحْضًا. حَكَوْا أَنَّ آلِهَتَهُمْ خَيْرٌ، ثُمَّ عَنَّ لَهُمْ أَنْ يَسْتَفْهِمُوا، عَلَى سَبِيلِ التَّنَزُّلِ مِنَ الْخَبَرِ إِلَى الِاسْتِفْهَامِ الْمَقْصُودِ بِهِ الْإِفْحَامُ، وَهَذَا الِاسْتِفْهَامُ يَتَضَمَّنُ أَنَّ آلِهَتَهُمْ خَيْرٌ مِنْ عِيسَى. مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا:

أَيْ مَا مَثَّلُوا هَذَا التَّمْثِيلَ إِلَّا لِأَجْلِ الْجَدَلِ وَالْغَلَبَةِ وَالْمُغَالَطَةِ، لَا لِتَمْيِيزِ الْحَقِّ وَاتِّبَاعِهِ.

وَانْتَصَبَ جَدَلًا عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ مِنْ أَجْلِهِ، وَقِيلَ: مَصْدَرٌ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ. وَقَرَأَ ابْنُ مِقْسَمٍ:

إِلَّا جِدَالًا بِكَسْرِ الجيم. وألف خصمون: شديد والخصومة وَاللَّجَاجِ وَفَعِلٌ مِنْ أَبْنِيَةِ الْمُبَالَغَةِ نَحْوُ: هُدًى. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي أَمْ هُوَ لِعِيسَى، لِتَتَنَاسَقَ الضَّمَائِرُ فِي قَوْلِهِ:

إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ. وَقَالَ قَتَادَةُ: يَعُودُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. أَنْعَمْنا عَلَيْهِ بِالنُّبُوَّةِ وَشَرَّفْنَاهُ بِالرِّسَالَةِ. وَجَعَلْناهُ مَثَلًا أَيْ خِبْرَةً عَجِيبَةً، كَالْمَثَلِ لِبَنِي إِسْرائِيلَ، إِذْ خُلِقَ مِنْ غَيْرِ أَبٍ، وَجَعَلَ لَهُ مِنْ إِحْيَاءِ الْمَوْتَى وَإِبْرَاءِ الْأَكَمَةِ وَالْأَبْرَصِ وَالْأَسْقَامِ كُلِّهَا، مَا لَمْ يَجْعَلْ لِغَيْرِهِ فِي زَمَانِهِ.

وَقِيلَ: الْمُنْعَمُ عَلَيْهِ هُوَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ، قَالَ بَعْضُ النَّحْوِيِّينَ: مِنْ تَكُونُ لِلْبَدَلِ، أَيْ لَجَعَلْنَا بَدَلَكُمْ مَلَائِكَةً، وَجَعَلَ مِنْ ذَلِكُمْ قَوْلُهُ تَعَالَى: أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ «١» ، أَيْ بَدَلَ الْآخِرَةِ، وَقَوْلُ الشَّاعِرُ:

أَخَذُوا الْمَخَاضَ مِنَ الفصيل غلية ... ظُلْمًا وَيُكْتَبُ لِلْأَمِيرِ أَفَالَا

أَيْ بَدَلَ الْفَصِيلِ، وَأَصْحَابُنَا لَا يُثْبِتُونَ لِمِنْ مَعْنَى الْبَدَلِيَّةِ، وَيَتَأَوَّلُونَ مَا وَرَدَ ما يوهم


(١) سورة التوبة، الآية: ٣٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>