للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِلَى مُؤْمِنُونَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِفِعْلٍ الْقَوْلِ مَحْذُوفًا، وَهُوَ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، أَيْ يَقُولُونَ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إِخْبَارًا مِنَ اللَّهِ، كَأَنَّهُ تَعَجُّبٌ مِنْهُ، كَمَا قَالَ فِي قِصَّةِ الذَّبِيحِ: إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ «١» .

إِنَّا مُؤْمِنُونَ: وَعْدٌ بِالْإِيمَانِ إِنْ كَشَفَ عَنْهُمُ الْعَذَابَ، وَالْإِيمَانُ وَاجِبٌ، كُشِفَ الْعَذَابُ أَوْ لَمْ يُكْشَفْ. أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرى: أَيْ كَيْفَ يَذَّكَّرُونَ وَيَتَّعِظُونَ وَيَقُولُونَ بِمَا وَعَدُوهُ مِنَ الْإِيمَانِ عِنْدَ كَشْفِ الْعَذَابِ، وَقَدْ جَاءَهُمْ مَا هُوَ أَعْظَمُ؟ وَأُدْخِلَ فِي بَابِ الِادِّكَارِ مِنْ كَشْفِ الدُّخَانِ؟ وَهُوَ مَا ظَهَرَ عَلَى يَدِ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْآيَاتِ وَالْبَيِّنَاتِ، مِنَ الْكِتَابِ الْمُعْجِزِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ، فَلَمْ يَذَّكَّرُوا، وَتَوَلَّوْا عَنْهُ وَبَهَتُوهُ بِأَنَّ عَدَّاسًا غُلَامًا أَعْجَمِيًّا لِبَعْضِ ثَقِيفٍ هُوَ الَّذِي عَلَّمَهُ، وَنَسَبُوهُ إِلَى الْجُنُونِ. وَقَرَأَ زِرُّ بْنُ حُبَيْشٍ: مُعَلِّمٌ، بِكَسْرِ اللَّامِ.

إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلًا: إِخْبَارٌ عَنْ إِقَامَةِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ، وَمُبَالَغَةٌ فِي الْإِمْلَاءِ لَهُمْ. ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّهُمْ عَائِدُونَ إِلَى الْكُفْرِ. وَقَالَ قَتَادَةُ: هُوَ تَوَعُّدٌ بِمَعَادِ الْآخِرَةِ: وَإِنْ كَانَ الْخِطَابُ لِقُرَيْشٍ حِينَ حَلَّ بِهِمُ الْجَدْبُ، كَانَ ظَاهِرًا وَإِنْ كَانَ الدُّخَانُ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَإِذَا أَتَتِ السَّمَاءُ بِالْعَذَابِ، تَضَرَّعَ مُنَافِقُوهُمْ وَكَافِرُوهُمْ وَقَالُوا: رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ، إِنَّا مُؤْمِنُونَ.

فَيَكْشِفُ عَنْهُمْ، قِيلَ: بَعْدَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا فَحِينَ يَكْشِفُهُ عَنْهُمْ يَرْتَدُّونَ. وَيَوْمُ الْبَطْشَةِ الْكُبْرَى عَلَى هَذَا: هُوَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، كَقَوْلِهِ: فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرى «٢» . وَكَوْنُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، هُوَ قَوْلُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنُ وَقَتَادَةُ. وَكَوْنُهُ يَوْمَ بَدْرٍ، هُوَ قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ وَأُبَيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ. وَانْتَصَبَ يَوْمَ نَبْطِشُ، قيل: بذكراهم، وقيل: بننتقم الدَّالِّ عَلَيْهِ مُنْتَقِمُونَ، وَضَعُفَ بِأَنَّهُ لَا نَصْبَ إِلَّا بالفعل، وقيل: بمنتقمون. وَرُدَّ بِأَنَّ مَا بَعْدَ أَنْ لَا يَعْمَلُ فِيمَا قَبْلَهَا.

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: نَبْطِشُ، بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الطَّاءِ وَالْحَسَنُ، وَأَبُو جَعْفَرٍ: بِضَمِّهَا وَالْحَسَنُ أَيْضًا، وَأَبُو رَجَاءٍ، وَطَلْحَةُ: بِضَمِّ النُّونِ وَكَسْرِ الطَّاءِ، بِمَعْنَى: نُسَلِّطُ عَلَيْهِمْ من يبطش بهم.

والبطشة عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ لَيْسَ منصوبا بنبطش، بَلْ بِمُقَدَّرٍ، أَيْ نَبْطِشُ ذَلِكَ الْمُسَلِّطَ الْبَطْشَةَ، أَوْ يَكُونُ الْبَطْشَةَ فِي مَعْنَى الإبطاشة، فينتصب بنبطش.

وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ: هَذَا كَالْمِثَالِ لِقُرَيْشٍ، ذُكِرَتْ قِصَّةُ مَنْ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، فكذبوه، فأهلكهم الله. وقرىء: فَتَّنَّا، بِتَشْدِيدِ التَّاءِ، لِلْمُبَالَغَةِ فِي الْفِعْلِ، أَوِ التَّكْثِيرِ، مُتَعَلِّقَةً وَجاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ: أَيْ كِرِيمٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَهُ الْفَرَّاءُ أَوْ كَرِيمٌ فِي نَفْسِهِ، لِأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ إِنَّمَا يُبْعَثُونَ مِنْ سَرَوَاتِ النَّاسِ، قَالَهُ أبو


(١) سورة الصافات: ٣٧/ ١٠٦.
(٢) سورة النازعات: ٧٩/ ٣٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>